الثلاثاء، 10 أبريل 2018

حزين على موت صديقي (1)


♦ ملخص السؤال:

شابٌّ كان يسير بسيارته أمام سيارة صديقِه بسُرعة كبيرة، فتبعَه

صديقُه واصطدمَ بشاحنة مُقابلة فمات، والشاب يَشعر بالذنب،

ويُحمِّل نفسه مسؤولية موت صديقِه.

♦ تفاصيل السؤال:

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أنا شابٌّ أعيش حالةَ اكتئاب شديدة، ولديَّ وسواسٌ شديد وتأنيب للضمير،

وشعور كبير بالذنب؛ وذلك بسبب أني كنتُ أسير بسيارتي بسُرعة

(تقريبًا 100 كم / س)، وكان صديقي يسير خلفي بسرعةٍ كبيرة أيضًا،

فقمتُ بمُجاوزة شاحنة، فتبعني صديقي دون تثبُّت، واصطدم بالسيارة

المقابلة ومات هو وسائق السيارة الأخرى، أسأل الله أن يرحمهما!

هذا الحادثُ الأليم حدَث منذ سنة تقريبًا، وفي أول الأمر كنتُ متقبلًا له،

ولم أحمِّل نفسي شيئًا مِن مسؤولية الحادث، لكن منذ شهرين بدأتُ

أُعاني نفسيًّا حتى صرتُ أُحَمِّل نفسي المسؤولية جزئيًّا مع صديقي

المتوفَّى، حتى صار ذلك محور تفكيري الوحيد في كل لحظة، وصرتُ

دائم الشرود والقلق، وصرتُ ضيِّق الصدر، أحتقر نفسي، ولم أعُدْ

أستطيع النوم، وإن نمتُ أستيقظ بعد ساعة أو ساعتين، وأبدأ في

التفكير في الحادث وفي تحميل المسؤولية لنفسي حتى الصباح.

ألوم نفسي باستمرار وأقول:

لو لم أُسرعْ لَمَا أسرع، ولو لم أتجاوز لما تجاوز.

تعبتُ من التفكير، ولا أدري هل هي صحوة ضمير أو وسواس شيطان؟!

سألتُ مِن الناحية الشرعية، فقال بعض أهل العلم: إنني لستُ مسؤولًا،

وبعضهم قال: إن الأمر يرجع إلى قانون المرور، فسألتُ مِن الناحية

القانونية فقيل لي: إنني لستُ مسؤولًا، وإن كل سائق مسؤول عن

تصرُّفاته، ويجب على كل سائق ألا يعتمدَ على تصرف السائق

الذي أمامه!

شعوري بالذنب يُؤلمني جدًّا، وتأنيب ضميري يكاد يَقتُلني، وأحسُّ

بحسرة شديدة جدًّا، وأخاف مِن عقاب الله، وأخاف أن ألقى الله

وأنا أحمل وزر دماء معصومة بريئة!

الجواب

الحمدُ لله، والصلاةُ والسلامُ على رسول الله، وعلى آله وصحبه

ومَن والاه، أما بعدُ:

ففرَّج الله همَّك، ونفَّث كربك، وعافاك من نزغات الشيطان، وعظَّم الله

أجرك في فَقْد صديقك، فإنَّ لله ما أخذ، وله ما أعطى، وكل شيء

عنده بأجل مُسمى، فلتصبِرْ ولتحتَسِبْ.



الأخ الكريم، أعلَمُ أن فَقْد أحد الأصدقاء وبهذه الصورة المؤلمة مِن

أقدار الله المؤلمة حقًّا، وزاد من وقعها عليك حدوث ذلك أمامك،

ممَّا فتح باب الوسوسة، فاستَعِن بالله تعالى، فقد قدَّر ذلك عليك

لحِكَم بالغة قد يَغيب بعضها عنا، لكنَّنا على يقين أن الله تعالى قدَّر

علينا الموت وهو أحكم الحاكمين، وأرحَمُ الراحمين، كتب على نفسه الرحمة،

وضمن الكتاب الذي كتبه أن رحمته تَغلب غضبه، وهو أرحم

بعباده من الوالدة بولدها، وأرحم بالعبد من نفسه، وأعلم بما يُصلحهم،

ولم يَمتحنا ليُهلكنا ولا ليُعذِّبنا ولا ليَجتاحنا، وإنما ليَمتحن صبرنا،

وليَرى تضرُّعنا إليه وابتهالنا له، ولنطَّرح ببابه لائذين بجنابه،

وتَنكسر قلوبُنا بين يديه، ونبثَّ شكوانا إليه.

قال الشيخ عبدالقادر: يا بنيَّ، إنَّ المصيبة ما جاءت لتُهلكك، وإنما

جاءت لتَمتحن صبرك وإيمانك، يا بُنيَّ القدَر سبع، والسبع لا يأكل الميتة؛

كما في الآداب الشرعية لابن مُفلح.

فدَعْ عنك وساوس الشيطان، ولا تَسترسِل مع الخطرات، وإنما اقْطَعْها

كلَّما أحسَسْتها، وتحلَّ بالعقل الراجح؛ فقد استفتَيت أهل الدِّين

والمختصين في المرور فأخبروك أنه لا شيء عليكَ، وكان هذا

بمفرده كافيًا لقطع الوسواس.

أمر آخر:

أنت تعلم أنَّ القدر يُحتجُّ به بعد وقوع المصائب، فقل:

قدَرُ الله وما شاء فعل، وركونك إلى قدَرِ الله في هذا المقام واحتجاجُك

به على وقوع ذلك الخطأ لا محذورَ فيه، بل هو ما أوصى به الحبيب

صلى الله عليه وسلم حيث يقول:

( المؤمن القويُّ خيرٌ وأحبُّ إلى الله مِن المؤمن الضعيف

، وفي كلٍّ خير، احرصْ على ما ينفعك، واستعِن بالله ولا تعجز،

وإن أصابَك شيءٌ فلا تقلْ: لو أني فعلتُ كان كذا وكذا، ولكن قل:

قَدُر الله وما شاء فعل، فإن (لو) تفتح عمل الشيطان ).




فالمصائبُ التي لا حيلة لنا في دفْعِها يجب علينا أن نُقابلها بالصبر

والتسليم، فهذا أعظم ما يُعينك على الصبر والرضا بأقدار الله المؤلمة،

والإيمان بهذا مِن تمام الرضا بالله ربًّا، فهو الحكيمُ العليم بما يُصلح عباده.



فاحتسب صديقك عند الله تعالى، واقرأ القرآن بتدبُّر تجدْ فيه شفاءً

للروح والقلب؛ قال الله تعالى:

{ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ

رَاجِعُونَ }


[البقرة: 155، 156]،

وقال تعالى:

{ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ

وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ

وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا }


[الأحزاب: 35]،

وعن أنسٍ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

( إن عِظَم الجزاء مع عظم البلاء، وإن الله إذا أحب قومًا ابتلاهم،

فمَن رضيَ فله الرضا، ومَن سخط فله السخط )؛


رواه الترمذي.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق