الأربعاء، 9 نوفمبر 2011

السلبوك

كان هناك رجلاً فارسيًا يدعى السلبوك..

عاش في نواحي بغداد دهرًا طويلا ً ,يصنع قصعًا من الطين

وأزيارًا وغيرها , وله في الأواني الفخارية نظرًابعيدًا وعلمًا مديدًا

ومن سوء حظه أنه عاش في قرية فنيّة , يضربون الأوتاربحرفية

ويتقنون النفخ والصفير ولهم أصوات ٌ حسان يشار لها بالبنان

كان يشعر بأنه أفضل منهم صوتًا , وأحسن منهم صفيرًا وعزفًا ,

وأخذ يغني كلما مر على أحدهم , وكلما خاطبهم في محله وفي محلهم

وكلما مشى في شارع , وكلما ارتقى إلى مكان ٍ فارع , فضاق به الناس ,

وسكتوا عنه أدبًا وذوقًا ليس إلا !

دخل مرة إلى منزله فوجد زيرًاكبيرًا كان قد أتم صنعه

وأصبح جاهزًا و إلى جواره زيرًا صغيرًا

فأدخل رأسه في الزير الكبير ليتفحصه من الداخل , ,

وكان وهو يتفحصه , يغني , فأعجبه صوته أكثر من ذي قبل

فأخرج رأسه وأدخله في الزير الصغير , وأخذ يغني فأيقن في نفسه

أنه ثروة وطنية لهذه القرية , وثورة غنائية في هذه المعمورة

اتجه على إثر ذلك إلى قصر الوالي , وطلب الدخول إلا أنهم منعوه ,

فقال لهم أنه مغني بارع , وأن له طرقًا في الغناء ستعجب الوالي

ولم يستجيبوا له , فكرر القدوم إلى القصر , حتى أدخله الوالي ,

وأذن له بالغناء في الأسبوع القادم على رأس الأشهاد من خاصّته

وقال له مهددًا : إن كان صوتك جميل وغناؤك حسن فسأعطيك ما يرضيك ,

وإلا !! فلا أحد يعلم ماذا سيكون عقابك !

فوافق السلبوك غير أنه طلب من الوالي أن يأذن له بإحضارالزيرين

الكبير والصغير , فهو لا يغني إلا بهما , فوافق الوالي , واقترب الموعد المعهود !

أخذ السلبوك يرتدي أبهى ثيابه لهذه المناسبة , ويتجهز بأفخم ما عنده

من عبارات يلقيها على الوالي , وحدد الأغاني ورتب المعاني

وعندما أراد حمل الزير الكبير , وجد أنه ثقيل وأنه لايمكنه

حمله من هنا إلى قصر الوالي , فاستعاض بالصغير عنه وذهب ماشيًا

حتى وصل إلى قصر الوالي , فأدخله الحراس ,

ووقف أمام الوالي وخاصته من الوزراء والأمراء والجنود والحرس

وقال :

أيها الوالي المعظّم , جئتُ لأغني بعد أن تفضلت علي بجزيل خيرك

وأذنت لي بلطفك وكرمك فهل أبدأ ؟ ..

قال له الوالي : ابدأ يا سلبوك .

نصب السلبوك زيره الصغيرفي وسط البلاط , وأخذ يغني ويغني ويغني ,

فضج البلاط بالضحك تارة , وبالتنديد تارة أخرى

أما الوالي فما كان منه إلا أن وضع أصابعه في أذنيه حتى إنتهى السلبوك

من وصلته الموسيقية وهو يلهث والدم مجتمعًا في وجهه .

حينئذ أمر الوالي أن يُملأ ذلك الزير بالماء , ويوضع أمام السلبوك ,

وأن يقوم كل من في القصر من جنود وحرس ووزراء وشعراء ومغنين

بالوقوف طابورًا خلف الزير , ويتقدمون بالترتيب فيغمسون أيديهم

بداخل الزير الممتلئ بالماء فيبللونها , ثم يصفعون السلبوك واحدًا تلو الآخر

ويعودون إلى آخر الطابور ليأخذوا دورًا جديدًا حتى ينتهي الماءمن الزير ,

وبدأت الصفعات اللينة تتولى على خد السلبوك وكان مع كل صفعة

يقول : الحمد لله

استغرب الوالي منه ثم استوقفه

وسأله: لماذا تحمد الله وانت تصفع , ويزداد حمدك عند كل صفعة ,

فقال السلبوك:

يا مولاي إني أحمد الله لأني لم آتِ بذلك الزير الكبير !.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق