الثلاثاء، 18 ديسمبر 2018

كيف أتعايش مع زوجتي؟

كيف أتعايش مع زوجتي؟
أ. رضا الجنيدي

السؤال

♦ الملخص:
رجل متزوِّج، زوجتُه تعاني مِن الارتباط به من أيام الخِطبةً،
وتعاني نفسيًّا مِن تحرُّش تعرَّضتْ له في صِغَرِها، ولا يريد زوجُها
أن يتخلَّى عنها، ويسأل عن طريقةٍ أو علاجٍ يَجعل زوجتَه
تتأقْلَم معه وتتقبَّله، وتَنسى ما فات.

♦ التفاصيل:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته:
أنا رجلٌ متزوِّج منذ شهرين، صرَّحتْ لي زوجتي مؤخرًا أنها
عانتْ طول مدة الخِطبة وما زالت تعاني بعد زواجنا مِن هذا الارتباط،
ثم إنها تعاني نفسيًّا من مشكلات قديمة أثَّرتْ عليها طول حياتها،
ووجودي في حياتها قد أعاد إليها هذه المشكلات، ذلك أن زوجتي
تعرَّضتْ للتحرش وهي صغيرة، وكنتُ أنا أحدَ المتسبِّبين لها في ذلك،
وقد قالت لي أنها عانتْ كثيرًا حتى تَجاوزت هذا الأمر، علمًا بأني عانيتُ
- وأنا طفلٌ - الذي كانت تعانيه، وهذا بالطبع لا يُبرِّر خَطئِي،
حتى مضايقتي لها كانت وأنا في عُمرٍ صغير،
ولم أكُن أذْكُر حتى أخبرتْني هي بذلك.

حاولتْ زوجتي أن تتأقْلَمَ وتُجبرَ نفسَها على الحياة معي،
ومع أنها وجدَتْني حتى اللحظة شخصًا متغيرًا للأفضل، فإنها لم تستطع أن تتقبَّلَني.

وسؤالي: هل يُمكن إيجادِ علاجٍ أو وسيلةٍ تَجعل زوجتي تصِل إلى
مرحلة التعايش معي؟ فأنا نادمٌ كلَّ الندم، وقد صدَمني جدًّا إخبارُها لي بما حدَث،
ومدى تأثير ذلك عليها، علمًا بأنني أولُ شخصٍ تُخبره
بما حدَث لها منذ ما يقارب خمسة عشر عامًا.

لا أريد أن أتخلَّى عنها، وأُريد مساعدتها في حل المشكلة التي كنتُ سببًا فيها،
ولا أريدها أن تعاني بقيَّةَ حياتها من المجتمع والظروف؛ كونها مطلقةً بسببي أيضًا.

الجواب

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته:
الأخ الفاضل، جزاك الله خيرًا لحرصك على مشاعر زوجتك،
ورغبتك في الوقوف إلى جوارها حتى النهاية، أسألُ الله العظيم
أن يَرزُقَك وزوجتك السعادةَ والمودة والسكينة.

أخي، التحرش الجنسي بالأطفال يترك آثارًا ربما تمتدُّ سنواتٍ طويلةً
إذا لم يتمَّ علاجُه مبكرًا، ومن الآثار النفسية التي يتركُها التحرشُ:
الخوفُ والقلقُ، والاكتئاب، وهذه الآثارُ تختلف من إنسانٍ لآخر حسَب
ما مرَّ به، ووَفقًا لملابسات الموقف،
وحسب طبيعة الشخصية نفسِها، ومدى قوتها النفسية.

ومن الأعراض التي قد تظهَر لدى الشخص الذي عاني من التحرش الجنسي:
محاولةُ تجنُّب ما يُذكِّره بهذه الخبرة التي مرَّ بها، وهذا على الأرجحِ
ما يظهَر على زوجتك الآن، فهي تحاول تجنُّب العلاقةِ بك
على أساس أنك أحدُ مَن تحرَّش بها في طفولتها.

يبدو أن زوجتك حاولتْ مع نفسها مرارًا التخلصَ مِن آثار هذه الخبرة السلبية،
بدليل أنها وافقتْ على الزواج منك، فأنا لا أرى في رسالتك ما يوحي
بأنها تزوَّجتْك رغمًا عنها، صحيح أنك قلتَ أن والدَيْها أقنعاها،
لكنهما لم يُرغماها؛ أي: إنها تقبَّلتْ فكرة الزواج منك من البداية،
وهي على علمٍ بمشاعرها، وبأثر ما حدَث منك في فترة الطفولة عليها،
ولكن رغم ذلك يبدو أن الأحزان تجدَّدت لديها، والذكريات السلبية
هجَمتْ عليها عند الدخول في تفاصيل الحياة الزوجية الدقيقة.

على أية حالٍ، الأمر يُمكن تجاوزُه بإذن الله بمزيدٍ من الصبر والتفاهم
والاحتواء من جانبك، وشهران في عُمر العلاقة الزوجية لا يُمثلان
نقطةً في بحرٍ، ولا يُمكن أن نَحكُمَ بفشل محاولاتنا من خلالهما.

استعنْ بالله أخي الفاضل، وأطِلْ سجودك، وادعُ الله عز وجل باسمه الفتَّاح
أن يفتَحَ لك قلب زوجتك، وادْعُه باسمه الودود أن يَرزُقَها وُدَّك،
وأن يجعلَ لك في قلبها وُدًّا كبيرًا.

بعد ذلك تحدَّث مع زوجتك، واطْلُب منها أن تُحاولا معًا تَدارُكَ هذا الأمر
مرةً أخرى، وأن تأخُذا فُرصتكما مجددًا، وأخبِرها أنكما
ما زِلتما في البداية، وأن الأيام كفيلةٌ بعلاج هذا الأمر.

أخبِر زوجتك أنه ينبغي عليها أن تتحلى بالقوة النفسية والقوة الإيمانية،
وأن تَطوي صفحة الماضي، وأن تنظُر إلى الحياة من منظار جديدٍ،
وأن تنظُر إلى الجمال في علاقتكما، والتعامل الطيب منك،
وأنها لو ترَكتْ نفسها للحزن والخضوع لهذه المشاعر،
فستَظل حالتها هكذا معك ومع غيرك إن انفصَلت عنك، ولا ندري لو انفصَلت عنك،
هل سيكون الزوج الجديد متفاهمًا وحنونًا مثلك، أو لن يتحمَّل وضعها؟!

أخبِرها كلَّ ذلك بحب وحنانٍ، ولكن احْذَر كثرةَ الاعتذارات؛
حتى لا تقع أنت فريسةً لِما حدَث، فالماضي انتهى، وأنتما كنتُما طفلين
كما أخبَرتَنا في رسالتك؛ أي: إنك لم تكن ناضجًا أو بالغًا لتُدرك خُطورة الأمر!

كثرةُ الاعتذار عما حدَث ربما تَجعلها تتوغل في هذه المشاعر أكثرَ
وأكثَر رغمًا عنها، وبشكل لا شعوري، لذا انتَبه إلى هذا الأمر،
واجعَل اعتذارك بالأفعال لا بالكلمات.

حاوِل أن تَجتمع معها على أداء بعض العبادات، فالقربُ مِن الله عز وجل معًا
يَجعلكما أكثرَ قربًا مِن بعضكما، وأكثرَ أُلفةً وحنانًا ومودةً،
ويَنشُر بينكما السكنَ والمودةَ والرحمة.

إن استطعتَ أن تأخُذها وتذهَبا معًا في عمرةٍ - والأمر متيسِّرٌ لكما -
فسيكون ذلك جميلًا جدًّا، وهناك أكْثِرا من الدعاء أن يُصلحَ الله حالكما،
ويؤلِّف بين قلوبكما، وأن يجعلَ كلًّا منكما قُرةَ عينٍ للآخر.

وبإذن الله خلال هذه المرحلة - حين ترى زوجتُك منك الحبَّ والرعاية والحنانَ،
والتفاهمَ وحُسنَ الخلق - ستختلف مشاعرُها، وتبدأ في التعافي.

إن استمرَّ الوضع على هذا الحال، فيُمكنك أن تتَّفقَ مع زوجتك أن تَمكُثَ
في بيت أهلها فترةً؛ حتى تَهْدَأَ، وتفكِّر في الأمر من جديدٍ دون أيِّ ضغوطٍ،
ووقتها حاوِل أن تبتعد قليلًا، وتترك لها حريةَ الاختيار، ولا تُحاوِطْها؛
فربما تَشعُر حينئذٍ بالاشتياق إليك، وتبدأُ في تذكُّر اللحظات الجميلة
التي كانت تَجمعكما، فتتغيَّر حالتُها النفسية للأفضل.

أما إن أصرَّتْ زوجتُك على الانفصال بعد كلِّ ذلك، فلا مفرَّ منه إذًا،
خاصة أنه ليس بينكما أطفال؛ حتى لا تتسبَّبا في آثارٍ سلبية عليكما،
وعلى أطفالكما فيما بعدُ، ووقتها لا تُحمِّل نفسَك فوق طاقتها، فهذا اختيارُها
هي وليس اختيارَك أنت، ولا تظُنَّ أنك أنت السبب في كونها ستَعيش
مطلقةً، فقد بذَلتَ كلَّ ما في وسعك لاحتواء الأمر.

أسألُ الله عز وجل أن يُجنِّبكما الفِراقَ، وأن يَملأَ قلبيكما
وُدًّا لبعضكما، وأن يُذهبَ عنكما كلَّ سوءٍ.
منقول للفائدة

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق