السبت، 12 أغسطس 2023

للعمل فطنة

 

للعمل فطنة


مع نهاية شهر أمشير الماضي، نصحني أحد ضيوفي بمنزلي الجديد بنقل بضع من شجر النخيل - الذي نبت بلا عمد

لأماكن أخرى كنوع من تنسيق حديقتي المتواضعة، أفاد بأن الرياح تغير اتجاهها فتهب من الجنوب،

وتتبدل برودتها إلى رياح ساخنة ينضج الزرع بسببها، مستندًا لعدة أمثال شعبية منها: (أمشير يساوي الطويل بالقصير)؛ يعني: الزرع.



استعنت بذلك الرجل المتخصص في نقل الأشجار، ظل ينقل الواحدة تلو الأخرى، وأنا أراقب ما يفعله بعناية.



حضر أمشير هذا العام برياحه وأمطاره، وفي يوم الجمعة الذي أمَلُّ فيه من أوضاع الرقاد والجلوس كعادتي لأفعل ما يحتاجه بيتي من (فعل الرجال)؛

كنجارة باب لحظيرة، أو إصلاح مقبض باب حجرة، أو تغيير صنبور مياه يتكاثر منه التنقيط، أو التسلق لتغيير مصباح قد احترق،

خطر ببالي أن أنقل إحدى الشجيرات التي نمت حديثًا، أحضرت أدوات الزراعة، جلست على كرسي قصير

وبيدي تلك الآلة الحادة لأحفر بها حول جذر تلك الشجرة بعشرة سنتيمترات على أقل تقدير، حاولتْ تلك الآلة الحادة قطع

أي جذور قد امتدت لتلك النبتة؛ حتى يتم اقتلاعها بما حولها من بعض الطين الذي يأوي جذورًا صغيرة، قد تمتد لاحقًا في تربتها الجديدة.



وبينما أنا منهمك في عملي مر عليَّ أحد أصدقائي الجراحين ليبتسم مستنكرًا ما أفعله، فعملي هذا لا يمت بصلة لطب الأطفال؛ تخصصي،

بينما قد يبرع فيه جراح كمثله، وبالرغم من أني تمنيت أن يشاركني عملي، لكنه استأثر بعلم الجراحة لنفسه،

وتركني دون حتى أن يشرب ذلك الشاي المعد خصوصًا من أم أولادي؛ كنوع من الدعم لما أفعله.



واصلت العمل بقطع الجذور بعناية، محافظًا على التربة الطينية حول منبت الشجرة، ومشروب الشاي يليه القهوة مع بعض المأكولات،

والدعوات لي بالتوفيق من أولادي، مرت الساعات حتى أتت تلك اللحظة التي أرفع فيها الشجرة، بعدما أنهيت كل جذورها العالقة،

لأجد التربة الطينية تتفتت وتتساقط عائدة لموطنها، مستنكرة تهجيرها، ولتبقى النبتة في يدي خاوية حزينة على حياتها التي ضاعت بقلة خبرتي.



هنا اختلطت مشاعر الندم والحسرة بقليل من مشاعر الحنين للطفولة واللعب بالطين، وأيقنت أن المثل الشعبي الذي يقول:

(دَعِ العيش لخبازه، حتى وإن أكل نصفه)، هو الأصدق.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق