الاثنين، 23 أكتوبر 2023

الصحبة

 الصحبة

فيا أيها المسلمون:

اتقوا الله؛ فإن تقواه أفضلُ مُكتسَب، وطاعتَه أعلى نسَب

{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ }

[ آل عمران: 102 ].



أيها المسلمون :



الناسُ معادن مختلفة، وأصنافٌ مُتعدِّدة، وطبائِع مُتفاوتة، وغرائزُ متغايِرة،

كلٌّ يميلُ إلى من يُوافِقُه، ويصبُو إلى من يُشاكِلُه، ويحِنُّ إلى من يُماثِلُه.



الأضداد لا تتفق، والأشكال لا تفترق

فعن أبي هريرة - رضي الله عنه :

أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال:



( الأرواح جنودٌ مُجنَّدة، ما تعارفَ منها ائتلَف، وما تناكَر منها اختلَف )

أخرجه مسلم.

والجُودُ بالمودَّة من كريمِ البذل، والبَوح بالمحبَّة من جميل الفضل،

وقصرُها على أهل التقوى دليلُ العقل.



والعاقلُ الحصيفُ من يُخالِطُ الأفاضِل، ويُعاشِر الأماثِل،

لا يُصافِي غريبًا حتى يسبُر أحوالَه، ولا يُؤاخِي مستورًا حتى يكشِف أفعالَه؛

لأن المرء موسومٌ بسِيماءِ من قارَب، موصوفٌ بأفعالِ من صاحَب؛

فعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال:

قال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -:



( الرجلُ على دين خليلِه، فلينظُر أحدُكم من يُخالِل )

أخرجه أبو داود والترمذي.



والمعنى: فليتأمَّل وليتدبَّر أحدُكم من يُخالِط؛ فإن رضِيَ دينَه وخُلُقَه خالـله،

وإلا صارمَه وبايَنَه، فإن الطباعَ تُعدِي، وصُحبةَ السُّوء تُغوِي.



ومن جميل ما نُظِم:



ابــــلُ الــرجـــالَ إذا أردتَ إخــاءَهـــم

وتــوسَّــمَـــنْ أمـــورَهــــم وتــفـــقَّـــدِ



فـإذا ظـفِـرتَ بـذِي الأمـانـة والـتُّـقَـى

فـبِـه الـيـديـن قـريــرَ عـيــنٍ فـاشــدُدِ



ويقول القرافي:

[ ما كلُّ أحدٍ يستحقُّ أن يُعاشَر ويًاحَبَ ويُسارَر ]



عـاشِـر أخـا الـدِّيـن كـي تـحـظَـى بـصُـحـبَـتـهِ

فـالـطـبــعُ مُـكـتـسَــبٌ مــن كـــل مـصــحــوبِ



كـــالـــرِّيـــحِ آخِـــــــذةٌ مـــــــا تــــمــــرُّ بــــــــه

نـتـنًـى مـن الـنَّـتــنِ أو طـيـبًــا مــن الـطِّـيــبِ



ولا تـــجـــلِـــس إلـــــــى أهــــــــل الـــدنـــايــــا

فـــــــإن خــــلائِــــقَ الــسُّــفـــهـــاء تُــــعــــدِي



وصـاحِـب خـيــارَ الـنــاس تـنـجُــو مُـسـلَّـمًــا

وصـاحِــب شِــرارَ الـنــاس يــومًــا فـتـنــدَمَــا



قال أبو حاتم:

[ ومن يصحَب صاحبَ السوء لا يسلَم، كما أن من يدخل مداخِل السوء يُتَّهَم ]



وقال أعرابيٌّ:

[ مُخالطةُ الأنذال والسِّفلة تحُطُّ الهيبة، وتضع المنزِلة، وتكِلُّ اللسان، وتُزرِي الإنسان ]



وقال شريكُ بن عبد الله:

[ كان يُقال: لا تُسافر مع فاسِقٍ؛ فإنه يبيعُك بأكلةٍ وشربةٍ ]



ووعظَ الخطَّابُ بن المُعلَّى ابنَه فقال:

[ إياك وإخوانَ السوء؛ فإنهم يخونون من رافقَهم، ويُحزِنون من صادقَهم،

وقُربُهم أعدَى من الجرَب، ورفضُهم من استِكمال الأدب ]



وقيل:

[ الجليسُ الصالِح كالسِّراج اللائِح، والجليسُ الطالِح كالجرَب الجائِح ]



وعن أبي موسى الأشعريِّ - رضي الله عنه :

أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:



( إنما مثلُ الجليس الصالِح وجليس السوء كحامِل المِسك ونافِخ الكِير؛

فحامِلُ المِسك إما أن يُحذِيَك، وإما أن تبتاع منه، وإما أن تجِد منه رِيحًا طيبة،

ونافِخُ الكِير إما أن يُحرِق ثيابَك، وإما أن تجِد منه ريحًا مُنتِنة )

متفق عليه.



فزايِل أهلَ الرِّيَب، وانأَ عن أهل الفسوق، وصارِم أهل الفجور،

وأعرِض عن أهل السَّفَه والتفريط؛ فكم جلبَت خِلطتُهم من نقمة،

ورفعَت من نعمة، وأحلَّت من رزِيَّة، وأوقعَت في بليَّة،



{ وَمَنْ يَكُنِ الشَّيْطَانُ لَهُ قَرِينًا فَسَاءَ قَرِينًا }

[ النساء: 38 ].



ومن يكُن الغــــــرابُ له دليلاً

يــــــمُرُّ به على جِيَفِ الكلابِ





وطلبَ رجلٌ من أعمَى أن يقودَه، فقال له:



أعـــــمَى يقودُ بصيرًا لا أبا لكُمُ

قد ضلَّ من كانت العُميان تهدِيه

ومن قادَه أهلُ الزَّيغ والفِسق والعمَى عضَّ على يديه تحسُّرًا وتأسُّفًا وتندُّمًا

{ وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا (27)

يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا (28)

لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنْسَانِ خَذُولًا }

[ الفرقان: 27- 29 ].

فيا فوزَ من وعَى، ويا سعادة من إلى ربِّه سعَى!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق