كيف يموت الحب بين الأزواج؟
من أجمل ما كتبت آنا دانيال في كتابها المرأة والحب: "هو الشيء الوحيد
الذي يتيح للحياة أن تمضي في سهولة وييسر وليس هناك بديل يمكن أن
يقوم عنه بهذه المهمة". وفي دراسة نشرت بمجلة "بلوسن وان" أن الحب
يجعل الألم يختفي؛ فقد أكد باحثون في كلية الطب في جامعة ستانفورد أن
رؤية الحبيب تقلل من المعاناة تماما كما تفعل المسكنات التقليدية
المضادة للألم".
أورد كل من فريدمان وشستك في كتابهما المعنون بـ "الشخصية: النظريات
الكلاسيكية والبحث الحديث" وجهات النظر النفسية حول الحب، حيث رأى
فرويد عالم النفس التحليلي أن الحب ينشأ من الغرائز الجنسية، بينما ركز
إريك إريكسون على الحب الناضج والذي هو نتاج تعزيز هوية الراشد وأن
فقط من يجدون هويتهم قادرون على تجربة الحب الحقيقي الناضج
والصحي، بينما رأى السلوكيون أن الحب هو نتاج التعزيزات التي نتلقاها
من الشريك، في حين ركز علماء النفس الإنسانيون على أن الحب يبدأ بحب
الإنسان لنفسه وتقبلها وفهمها، وأن الأفراد المتقبلين لأنفسهم قادرون
على حب الآخرين وفهمهم، ووضع عالم النفس ماسلو الحاجة إلى الحب
على الدرجة الثالثة لهرم حاجاته، بعد الحاجات الفيسيولوجية وحاجات
الأمن، وميز بين نوعين من الحب: حب وجود (غير أناني)، حب عوز
(أناني)، وأشار إلى الزيجات السعيدة هي نتاج التفهم للآخر، ورعاية
كل طرف للآخر، والصداقة.
وجمع عالم النفس إريك فروم وجهات النظر النفسية المختلفة في نظريته
حول الحب والتي يركز فيها أن الحب هو النتيجة الإيجابية للأفراد الذين
يكافحون للانضمام إلى الآخرين؛ فهناك الحب الأمومي، والحب الأخوي،
والحب الشبقي (جنسي عابر)، والحب غير الناضج، بينما الحب الناضج
من وجهة نظر فروم هو الذي يجمع بين الحب الأخوي وحب الذات، يهتم فيه
كل شريك بالآخر ويتحمل مسؤوليته تجاه الآخر، ويشترط أن يحب كل
شريك نفسه حتى يستطيع حب الآخر والإخلاص له وفهمه ودعمه
ومساعدته على التقدم.
الزواج الناجح هو مثل الشركة الناجحة يقوم على أساس الاحترام وتحمل
المسؤولية ولكل فرد حقوق وواجبات، والزواج الناجح يقوم على فهم
شخصية الآخر وفهم الفروقات الشخصية والسيكولوجية بين الشريكيين
ربما نواجه صعوبة في التعبير عن الحب، أو في الحصول عليه، قد يعزى
ذلك لارتباط كلمة الحب في ثقافتنا بمدلولات ومعان ضيقة تتعدى المعنى
المرغوب فيه إلى معنى غير مرغوب فيه، فبات الإدراك لهذا المفهوم مشوه
أو يعتريه الشك أو النقص أو ثقافة العيب. ولقد أشارت دراسة الباحث
(وليام روبسون) بأن العمر الافتراضي للحب هو ثلاث سنوات وشبه الحب
بالبطارية التي تنفذ شحناتها والتي لا يمكن إعادة شحنها استنادا إلى كيمياء
المخ، ووافقه عدد من الخبراء والمختصين.
والسؤال: هل فعلا الحب بين الأزواج يموت؟ هل يشيخ؟ هل ينفذ بعد ثلاث
سنوات أم خمس أم عشر؟! قد يحتاج الحب إلى سنين طويلة ليتبلور بصورته
الصحية والناضجة، حيث يبنى على فهم حاجات الأفراد وإشباعها لا سيما
الجانب العاطفي؛ وعلى أهمية الحب وكثرة التغني به، إلا أنه يتم تناول هذا
المفهوم بسطحية ويحدد بمظاهر شكلية أكثر منها جوهرية، فالحب بين
الأزواج يتجلى في أبهى صوره في قوله تعالى:
{ وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا
وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ }
(الآية 21، سورة الروم)،
وفي حين من معاني المودة الشعور المتبادل بالحب، فالحب هو سبيل
السكينة والاستقرار النفسي والرحمة.
ومن المؤسف أن الكثير من الشباب يمتنع عن الارتباط بشريك الحياة أو
يؤجله أو يؤطره في إطار الإنجاب فقط في حين أن غاياته متعددة، والحب هو
غاية من الغايات السامية للزواج، وهو دعامة رئيسة في بناء الأسر السعيدة
والتأسيس لزواج ناجح دائم، وتشير الأدبيات النظرية أن الحب بين الأزواج
ينمو ويحتاج إلى بذل جهد كبير من قبل الشريكين لاستمراره، فالزواج
الناجح هو مثل الشركة الناجحة يقوم على أساس الاحترام وتحمل المسؤولية
ولكل فرد حقوق وواجبات، والزواج الناجح يقوم على فهم شخصية الآخر
وفهم الفروقات الشخصية والسيكولوجية بين الشريكيين، هناك فروق بين
المرأة والرجل في التواصل وفي التعبير عن الحب وفي الحاجات العاطفية.
يقول الكاتب كارول ريتبرجر في كتابه "الحب وجوه الائتلاف والاختلاف"
أنه اكتشف من خلال خبراته الطويلة واستشاراته في التعامل مع الأزواج أنه
إذا كان الشريكان من نمط شخصية واحد، فإنهما يتفقان في تعريفهما للحب
ويشتركان في رغبات ومطالب واحدة ويستخدمان معايير واحدة لتحديد
مطالبهما، وكلا منهما يحقق نجاحا أكبر في توثيق علاقة مستقرة ومرضية
للطرفين، بخلاف الشريكين من نمط مختلف، حيث يبذل كلا منهما جهدا أكبر
لمحاولة منهما للآخر أو فرض سيطرته عليه بدلا من محاولة تقريب وجهات
النظر فيما بينهما، وهذا لا يعني فشل العلاقة بينهما إنما تحتاج إلى بذل
جهد أكبر في التواصل.
يقوم الزواج الناجح على التغافل عن الهفوات، والبحث عن المحاسن
لا العيوب، يؤكد الباحث في شؤون الزواج "جون جوتمان على أن أسعد
الأزواج يتشاجرون، وفي بعض الأحيان يتشاجرون كثيرا، لكن السر وراء
الاحتفاظ بالسعادة الزوجية هو إحداث عدد من التفاعلات الإيجابية يزيد
بأربع أو خمس مرات عن التفاعلات السلبية كل يوم".
ويشير د. يوزي ريوريكوف في كتابه (الحب والأسرة عبر العصور) إلى أن
الحب يجب أن يكون بعيدا عن الأنانية والغيرية معا، هو التوازن بينهما حيث
أن الأنانية هي الارتقاء بالذات فوق الآخر والحط من الآخر، أما الغيرية،
فهي الارتقاء بالآخر فوق الأنا والحط من قدر الذات. والعلاقة الصحية تكون
في تكافؤ الذات (الأنا الذاتية مع أنا الآخر) أي السعي إلى عدم الارتقاء
بالذات فوق الآخر، وعدم السماح للآخر بالارتقاء فوق الذات، مصداقا لقول
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
( لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ )
متفق عليه.
إن أي علاقة سليمة تتطلب جهدا كبيرا بين الطرفين، وكثير من العلاقات
الزوجية تنتهي عندما تجف المشاعر بين الزوجين، والحب الحقيقي لا يكمن
في عدم وقوع المشاكل بل في القدرة على السيطرة على المشكلات قبل أن
تتفاقم، ومن النصائح المفيدة للأزواج "لا تجعل الشمس تغرب على عراك".
يقول باسكال: "لا يحق للشعراء أن يصفوا لنا الحب أنه أعمى، يجب أن
تنزع عنه العصابة، ونرد منذ الآن الفرح إلى عينيه". ومن أجمل الأوصاف
التي ذكرت على لسان المصطفى محمد صلى الله عليه وسلم واصفا عمق
المحبة بينه وأم المؤمنين السيدة خديجة رضي الله عنها حينما قال أمام
أصحابة: (إني رزقت حبها).
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق