موسوعة المؤرخين (05)
ابن بشكوال (الجزء الثاني)
مؤلفات ابن بشكوال:
لقد ترك ابن بَشْكُوال تراثًا علميًا جليلًا، يدل على إمامته وحفظه وإتقانه،
قال ابن الأبار عقب تسميته لبعض مصنفاته: "إلى غير ذلك من مؤلفاته
ومجموعاته الشاهدة له بالحفظ والإكثار"، وتآليف هذا الإمام متنوعة ونافعة
مع كثرتها، قال ابن خَلِّكان: "وله التصانيف المفيدة".
فقد ترك ابن بشكوال عددًا كبيرًا من المؤلفات، قيل إنها بلغت خمسين
مؤلفًا، قال ابن الأبار: "وألف خمسين تأليفًا في أنواع مختلفة". وقد ذكرها
الذهبي في تذكرته، وعامتها في علم الحديث وتراجم الرجال لاسيما
رجال الحديث. أشهرها:
كتاب "الصلة":
في مجلدين، وقد جعله ابن بشكوال ذيلًا على "تاريخ علماء الأندلس"
لابن الفرضي، وجمع فيه تراجم عدد كبير من علماء الأندلس وترجم فيه
لأبيه، ويعدّ هذا الكتاب من أهم الكتب التي ألفها ابن بشكوال، واعترف
معاصروه بقيمته ورأوا فيه كتابًا لا يستغني أهل الفقه عن النظر فيه
والاحتجاح به، وفرغ ابن بَشْكُوال من تأليف هذا الكتاب الجليل سنة 534هـ.
وقد اعتمد المؤلف فيه على مصادر أساسية أهمها: الرواية المتواترة، التي
استقاها من شيوخه، ومن المكاتبات التي كانت بينه وبين غيره من العلماء،
ومن النقل من الكتب التي سبقته في هذا الفن وخاصة كتاب ابن الفرضي
وكتاب "جذوة المقتبس" للحميدي، وكان يقابل الروايات التي كتبت بخط
من سبقوه ويعتمد على مصادر للتثبت من صحة الرواية.
وقد ذكر في كتابه رواة الحديث من الأندلسيين الذين عاشوا في الأندلس
أو رحلوا عنها أو جاؤوا إليها، وكان يضيف إلى ذلك ما له قيمة علمية
في هذه الرحلات، التي كانت في الأصل للحج، ولكن العلماء كانوا يعدونها
فرصة للاطلاع العلمي على أحدث ما وصل إليه العلماء شرقًا وغربًا.
ووضّح ابن عبد الملك المَرّاكُشي منهج ابن الفَرَضي وابن بَشْكُوال
في كتابيهما فقال: "إن الحافظ أبا الوليد رحمه االله رتّب أبواب كتابه
على توالي حروف المعجم المعروف ببلاد المشرق .. وتبعه على ذلك الترتيب
أبو القاسم بن بَشْكُوال في صلته تاريخه .. وجعل ابن الفَرَضي وابن بَشْكُوال
الأسماء في الأبواب على طبقات المذكورين فيها، فقدّما الأسبق في الوجود
فالأسبق، وعقّبا كل اسم من أسماء الأندلسيين بمن وجدوه من موافقه من
الغرباء -وهم في مصطلحهما الطارئون على الأندلس من غيرها، سواء كان
أصلهم منها أو من غيرها- إن وجدا له في الغرباء سميًا، وجعل الأسماء
في كل باب على حسب الأكثر فالأكثر، والأشهر فالأشهر، وختما كل حرف
بذكر مفاريد الأسماء الموجودة فيه بتقديم الأندلسيين وتأخير الغرباء
إن وَجَداهُم".
ولم يكن ابن بشكوال يكتفي بعرض الجانب العام من شخصية المترجم له،
بل كان يلمس الجوانب الخاصة من حياته، وكان في ذلك يبين حالة المجتمع
في زمانه، ولم يكن يعنى بالجوانب الأدبية عند العالم، لذلك قلّت النصوص
والشواهد في كتابه فلم يكن يشير إليها إلا نادرًا، إذ ركّز اهتمامه في ترجمته
لرجال الفقه والحديث على الجانب الأخلاقي والسلوكي. وقد نشر الكتاب
المستشرق الإسباني كوديرا Codera في مدريد في المكتبة العربية
الإسبانية سنة 1883م.
وأثنى ابن الأبّار على كتاب الصلة مع الإشارة إلى بعض منهجه، فقال
في سِياق كلامه عن مؤلفات ابن بَشْكُوال: "أجلُّها كتاب الصلة، سلّم له
أَكْفاؤه فيه، ولم ينازعه أهل صناعته الانفراد به، ولا أنكروا مَزِيّة السَّبْق
إليه، بل تشوّفوا للوقوف عليه، وأنصفوا من الاستفادة منه . وقد حمله عنه
أبو العباس بن العريف الزاهد ممن يَعده في شيوخه، وصار إليّ ما كتب منه
أبو القاسم بن حبيش على الاختصار وهو من كبار، وكان أبو الفضل عِياض
وأبو محمد الرُّشَاطي -وناهيك بهما- يكاتبانه".
ومن المعروف أن ابن الأبار وضع ذليلًا لصلة ابن بشكوال سماه "كتاب
التكملة لكتاب الصلة" سار فيه على نهجه. وكتاب ابن بشكوال عظيم الفائدة
لا يستغني عنه أهل الأدب، ولا يكاد إنسان يجد فيه خطأ.
وقد اعتمد ابن بشكوال في تصنيف الصلة على تاريخ الأندلس لأبي بكر
حسن بن مفرج بن حماد بن الحسين المعافري المعروف بالقُبَّشِي القرطبي
الذي يبدو أنه ألف كتابه على غرار مصنف آخر في نفس الموضوع
لابن عفيف، عنوانه: "الاحتفال في تاريخ أعلام الرجال في أخبار الخلفاء
والقضاة والفقهاء". ونظر ابن بشكوال كذلك إلى معجم الرجال لأبي عمر
المهدي، وإلى كتابين آخرين في الأدب والتاريخ لابن زورقة ، وكتاب آخر
لابن عابد. ورجع ابن بشكوال كذلك إلى كتاب "طبقات النحويين واللغويين"
لابن خزرج الفقيه، وإلى تاريخ فقهاء طليطلة وقضاتها لأبي جعفر أحمد
بن عبد الرحمن الأنصاري بن مطاهر.
وقد أكمل فوات "الصلة" مؤلفون آخرون، متبعين طريقة ابن بشكوال،
هم: أبو بكر بن محمد بن عبد الله بن سفيان بن سِيدالَّة التجيبي (ت سنة
558هـ/ 1162م) وهو من أهل قَونَكَة بكتابه "مجموع في رجال الأندلس"،
ويوسف بن أبي عبد الله بن سعيد بن أبي زيد اللِّرِّي (ت سنة 575هـ/
1179م)، وهو من أهل ليرية. ويقول ابن الأبار في ترجمته في كتاب التكملة
إنه: "كان قد شرع في تذييل كتاب ابن بشكوال"، وأنه "ألف كتابًا في
طبقات الفقهاء من عصر ابن عبد البر إلى عصره". ووضع ابنْ الزبير كذلك
ذليلًا على صلة ابن بشكوال سماه "صلة الصلة" (نشره ليفي بروفنسال
سنة 1938م).
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق