الاثنين، 22 مارس 2021

الإنسان والغفلة

 

الإنسان والغفلة

الغفلة مشكلة طويلة، ثقيلة، تحتاج إلى التفاتة جدية عاجلة لحلها،

وعلاجها في أمرين لا ثالث لهما:

١- مدَّ قلبك دائمًا بغذائه:

يصاب قلبك بالوهن والضعف إن لم تغذه بالعلم عن الله، لأن حياتك تدور

حول العلم عن خالقك، لو تغذى قلبك بالعلم عنه لن تقع عينك على شيء

إلا ترى لله فيه آية ولك فيه عبرة، ستعيش الحياة على ذلك!

كثيرًا ما تجد الإنسان يعلم أن الله (رقيب)، (سميع)، (بصير)؛

لكن هذا العلم لا يتحول إلى باعث على التقوى!

لماذا؟ لأنه علم ضعيف، لم يُغذَّ، قد قطع عنه الإمداد،

وإنها لخسارة ما بعدها خسارة!

يجب أن تعلم عن الله علمًا له من القوة ما يجعله يتحول إلى سبب للتقوى،

وإن الله أهل للتقوى، أهل أن تبذل لأجل العلم عنه الأوقات والأنفاس!

٢- ادفع ما استطعت من الانشغالات:

انشغل القلب بـالتكاثر، كما قال تعالى:

{ أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُر }،

والقلب محل واحد إن ملأته بالخل فلن تستطيع ملأه بالزيت، وما جعل الله

لرجل من قلبين في جوفه، فانظر لنفسك بأي شيء تشغله، واعلم أنه

سيفيض بما تضعه فيه؛ فلا تظلمه وقد علمت أن الله خلقه لمعرفته

وحبه وتعظيمه!

وهذا لا يعني أن تطالب نفسك بالقفز لمجرد سماعك درسًا أو درسين

عن الله؛ لا تطلب أن تجد الأثر مرة واحدة؛ فالقلب يتردد بين ضعف وقوة؛

ولكن اعلم أنك كلما غذيته أسست لصلاحك!

الجهاد هو أن تغفل ثم تردّ نفسك، وإننا لو أردنا الوصول لحد ألا نغفل

ولا نخطئ، ولا يأتي في قلوبنا كبر ونُدافعه، ولا يأتي في قلوبنا حسد

وندافعه؛ هذا يعني أننا أصبحنا ملائكة تسير في الطرقات، والأمر ليس كذلك؛

بل الفشل يولد نجاحًا، فلا تيأس من روح الله.

كونك تموت والله -عزَّ وجلَّ- ينظر إلى قلبك تجاهد

ما ابتلاك به هذا هو النجاح،

ألم تر ذاك الذي قتل تسعًا وتسعين نفسًا ثم أتمها بالمئة كيف نجح؟

لم يقم بعد بشيء، لكن نظر الله إلى قلبه فوجده راغبًا في التوبة، سلَك بعض

طريقها فقط، لم يصل بعد، ثم -كما في بعض الروايات- وُفِّق أن ينزاح بصدره

شبرًا إلى البلد الآخر، فقاست الملائكة - وهذا من تمام فضل الله على الخلق-

المسافتين، وجدت هذا الشبر قرّبه إلى القرية الثانية، مما دل على قوة تعلقه

بطلب الرضا !

فلو نظر الله إلى قلبك وأنت متعلق بالرضا، وقد ابتلاك بابتلاءات عظيمة

في نفسك، ورأى منك مجاهدة لها وليس استسلامًا؛ لقد فزتَ والله حتى لو لم

تصل بعد؛ فهل كل من خرج للجهاد فاز هو بنفسه؟ لا. قد يذهب هو ويفوز

قومه، وقد لا يفوز أحد منهم؛ لكن الله ينظر إلى جهادهم ويقدره:

{ وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا }

ليس الذين غلبوا، إنما

{وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا}.

لا تُيَئّسوا أنفسكم، افتحوا لأنفسكم باب رحمة الله، وباب رحمة الله واسع،

دورك الذي يتكرر هو أن تبقى مجاهدًا، لا يريد الله أن يراك مستسلمًا لعيوبك

وأمراضك.

نرى في أنفسنا شخصًا عاش سنين بلا تفكير، ثم هداه الله إلى الحق وقد

تأسس قلبه على مجموعة أفكار معينة؛ فكلما جاهد لطلب الحق، نظر الله إليه

نظر الرحمة، نحن نثق أن رحمته واسعة، رحمته سبقت غضبه -سبحانه

وتعالى-، فقط أرِه الجهاد.

ألم تر ذاك الرجل الذي أزاح غصن شوك عن طريق المسلمين؟ نظر الله

إلى قلبه فرآه لا يريد إلا الله؛ فشكر له؛ فغفر له وأدخله الجنة؟!

ألم تر إلى تلك المرأة البغي؟ أرادت تجارة لن تبور بإخلاصها لله في سقي

الماء لحيوان! لاحظ أن الذي وُصف في الحديث كلب لا يُثني، وفي صحراء

ليس حولها من يثني، فما كانت تنتظر من أحد الثناء، ما أرادت إلا وجه الله؛

فنظر الله -عزَّ وجلَّ- إلى قلب ما أراد إلاّ وجهه سبحانه وتعالى؛ فغفر

لصاحبه كل تلك الكبائر!

لا يريد الله منك إلا جهادًا، وهل تظن أن الجنة بعملك؟

الجنة أعمال عُظِّمت، عظّمها الغفور الشكور!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق