الخميس، 30 يناير 2014

المفاضلة بين الصمت والكلام

الصمت في موضعه ربما كان أنفع من الإبلاغ بالمنطق في موضعه،
وعند إصابة فرصته.
وذاك صمتك عند من يعلم أنك لم تصمت عنه عيًّا ولا رهبة.
فليزدك في الصمت رغبة ما ترى من كثرة فضائح المتكلمين
في غير الفرص، وهذر من أطلق لسانه بغير حاجة .
 
قال النووي:
[ وروينا عن الأستاذ أبي القاسم القشيري رحمه الله قال:
الصمت بسلامة وهو الأصل، والسكوت في وقته صفة الرجال،
كما أن النطق في موضعه من أشرف الخصال،
قال: وسمعت أبا علي الدقاق يقول: من سكت عن الحق فهو شيطان أخرس،
قال: فأما إيثار أصحاب المجاهدة السكوت؛
فلما علموا ما في الكلام من الآفات، ثم ما فيه من حظِّ النفس،
وإظهار صفات المدح، والميل إلى أن يتميز من بين أشكاله بحسن النطق،
وغير هذا من الآفات ]
فليس الكلام مأمورًا به على الإطلاق، ولا السكوت كذلك،
بل لابد من الكلام بالخير، والسكوت عن الشرِّ،
وكان السلف كثيرًا يمدحون الصمت عن الشر، وعما لا يعني؛
لشدته على النفس، وذلك يقع فيه الناس كثيرًا، فكانوا يعالجون أنفسهم،
ويجاهدونها على السكوت عما لا يعنيهم .
ومن مدح الصمت، فاعتبارًا بمن يسيء في الكلام،
فيقع منه جنايات عظيمة في أمور الدين والدنيا.
فإذا ما اعتبرا بأنفسهما، فمحال أن يقال في الصمت فضل،
 فضلًا أن يخاير بينه وبين النطق. وسئل حكيم عن فضلهما فقال:
الصمت أفضل حتى يحتاج إلى النطق، وسئل آخر عن فضلهما
فقال: الصمت عن الخنا، أفضل من الكلام بالخطا .
 
وقال شمس الدين السفاريني:
[ المعتمد أنَّ الكلام أفضل؛ لأنَّه من باب التحلية، والسكوت من التخلية،
والتحلية أفضل، ولأنَّ المتكلم حصل له ما حصل للساكت وزيادةٌ،
وذلك أنَّ غاية ما يحصل للساكت السلامة،
وهي حاصلةٌ لمن يتكلم بالخير مع ثواب الخير ]
 
وقال ابن تيمية:
[ فالتكلم بالخير خير من السكوت عنه، والصمت عن الشر خير من التكلم به،
فأما الصمت الدائم فبدعة منهي عنها،
وكذلك الامتناع عن أكل الخبز واللحم وشرب الماء،
فذلك من البدع المذمومة أيضًا،
 كما ثبت في صحيح البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما،
 ( أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلًا قائما في الشمس،
فقال: ما هذا ؟
فقالوا: أبو إسرائيل نذر أن يقوم في الشمس، ولا يستظل،
ولا يتكلم، ويصوم،
فقال النبي صلى الله عليه وسلم:
مروه فليجلس، وليستظل، وليتكلم، وليتم صومه ) ]
وتذاكروا عند الأحنف بن قيس، أيهما أفضل الصمت أو النطق؟
فقال قوم: الصمت أفضل،
فقال الأحنف: النطق أفضل؛
 لأنَّ فضل الصمت لا يعدو صاحبه، والمنطق الحسن ينتفع به من سمعه.
وقال رجل من العلماء عند عمر بن عبد العزيز رحمه الله:
الصامت على علم كالمتكلم على علم،
فقال عمر: إني لأرجو أن يكون المتكلم على علم أفضلهما يوم القيامة حالًا،
وذلك أن منفعته للناس، وهذا صمته لنفسه،
فقال له: يا أمير المؤمنين وكيف بفتنة النطق؟
فبكى عمر عند ذلك بكاءً شديدًا .
 
وقال ابن عبد البر:
[ الكلام بالخير من ذكر الله وتلاوة القرآن وأعمال البر أفضل من الصمت،
وكذلك القول بالحق كله، والإصلاح بين الناس وما كان مثله ]
 
وقال أيضًا:
[ مما يبين لك أنَّ الكلام بالخير والذكر أفضل من الصمت
 أن فضائل الذكر الثابتة في الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم
لا يستحقها الصامت ]
 
وقال النيسابوري:
[ والإنصاف أن الصمت في نفسه ليس بفضيلة، لأنَّه أمر عدمي،
والنطق في نفسه فضيلة، وإنما يصير رذيلة لأسباب عرضية
مما عددها ذلك القائل، فيرجع الحق إلى ما قاله النبي صلى الله عليه وسلم :
 
( رحم الله امرأً قال خيرًا فغنم، أو سكت فسلم )
 
وقال علي بن أبي طالب:
[ لا خير في الصمت عن العلم، كما لا خير في الكلام عن الجهل ]

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق