الثلاثاء، 21 مارس 2017

تربية لا يعيش أولادي ما رأيته في طفولتي



توفير متطلبات الطفل لا يعني التساهل في تربيته
تعود الذاكرة إلى "أبو هـ" كلما نظر لأبنائه، إلى طفولته "التعيسة"
حينما كان يحلم بامتلاك مبلغ قليل ليشتري لعبة، يتذكر حينما كان والده
يصر عليه أن يدرس في الصباح ويعمل معه في المساء،
حين كان يضرب على الخطأ قبل أن يسأل لماذا.
 
عاش "أبو هـ" تلك الطفولة التي لم تكن معنفة، لكنها تربية الزمن القديم
حينما كان الأبناء يقيّدون بالطاعة والانضباط الشديد،
وكذلك تحمل المسؤولية منذ الصغر، بل والتقشف في المعيشة،
 لكنه بعد تلك السنوات وبعد أن أصبح أبا لأربعة أبناء أصبح دائم العطف،
يفكر كيف يوفر الحياة الجيدة لهم، يتعامل معهم بمرونة شديدة جداً،
حتى أصبح لا يستطيع أن يتدخل في اختياراتهم وإن كانت غير صحيحة،
فهو يتعامل معهم من منطلق "لا أريدهم أن يعيشوا ما عشته في الماضي"،
تلك العاطفة الأبوية لا يتردد "أبو هـ" أن يغمر أبناءه بها،
لكنه وصل إلى مرحلة الغلو في ذلك الشعور، الذي أصبح فيه يتعامل
بطريقة الدلال المفرط، وتنفيذ الرغبات حتى غير المقنعة.
ومن منطلق تلك التربية الصارمة التي عاشها "أبو هـ" في طفولته
 تحول إلى رجل استطاع أن يصنع مستقبله وأن ينجح في عمله وحياته،
 لكن هل سينجح أبناؤه من خلال ذلك الأسلوب؟.
 
ويبقى من المهم أن يدرك الآباء والأمهات أهمية وضعية الاتزان في التعامل
مع الأبناء، فالإفراط في الدلال ينتج أجيالاً غير مسؤولة عن تصرفاتها،
ولا تتقن اتخاذ القرارات الحكيمة، بل وتشكل أفراداً اتكاليين،
وتفرز شخصيات نرجسية في المجتمعات، وصعبة التكيف مع العالم
الخارجي، كذلك فإن الإفراط في القسوة ينتج أجيالاً ضعيفة ذات شخصية
مهتزة، لا تستطيع المبادرة ولا المغامرة، وتحصيلها العلمي ضعيف،
 وتنمي لديها المشاعر العدوانية، وتسبب العقوق في الكبر والتمرد،
 ليصبح الحل في الحزم بدلاً من القسوة،
 بوضع ضوابط في الثواب والعقاب أمام الأبناء.
 
أسلوبي مرن
وقالت "م": عشت حياة صعبة في طفولتي فقد كانت أسرتي تمنع عني
 كل شيء حتى الأشياء البسيطة من منطلق الخوف على الفتاة،
فحتى الخروج من المنزل للضرورة لم يكن متاحاً لي إلاّ مع أمي،
وقد كبرت وأنا أعاهد نفسي بأن أكون أماً مختلفة مرنة للبنات،
خاصة حينما تحقق هذا الحلم وأصبحت أماً لثلاث بنات،
حيث لم أستخدم أسلوب القسوة معهن أو منعهن أي شيء يرغبن به،
مضيفة أن أسلوب المرونة دائماً هو الأسلوب الذي تستخدمه مع بناتها
الثلاث، على الرغم من تنبيه بعضهم لها بأنها مفرطة في دلالهن،
 لكنها تفضل أن تكون مفرطة في الدلال على أن لا تجعلهن يعشن ما عاشته
من معاناة في الماضي، مشيرة إلى أن تلك المرونة في التعامل مع أبنائه
ا لا تدفعها إلى التساهل المطلق معهن،
أو قبول كل ما يفكرن به أو يرغبن به، لكنها تحب أن تجعل الفتاة تعيش
 في مساحة حرية كبيرة تشعر فيها بأنه لا فرق بينها وبين أخيها أي شيء.
 
 
التربية تبدأ من تحميل الأبناء المسؤولية والتكيف
مع واقعهم الاجتماعي مرونة واحتواء
وأوضحت "هـ" أن الأم والأب حينما يعيشان حياة قاسية ومتعبة
في طفولتهما وشبابهما فمن الطبيعي أن يكون لديهما شعور كبير
ألا يجعلا أبناءهما يعيشون تلك المعاناة الماضية، مضيفة أنه حينما
يتعلق الموضوع بطريقة تربية ففي القدم كانت سبل التربية للأبناء مختلفة،
وذلك بحسب مفهومها وطبيعة الزمن والمكان والحياة الاجتماعية المسيطرة،
فعلى سبيل المثال في السابق كان الابن حينما يضرب من قبل والده فإنه
بعد ساعات يضحك الابن وربما يشعر بمحبة والده في تلك القسوة،
 لذلك كثير من الناجحين في الحياة خرجوا من بيوت استخدمت العصا
معهم كثيراً، في حين يختلف ذلك في الوقت المعاصر الذي أصبح استخدام
الضرب طريقة من ممارسة العنف الذي قد تتدخل فيه جهات حقوقية
 لمنعه ولمحاسبة الوالدين، خاصة حينما يكون متجاوزاً للحد.
 
وأضافت أن الأمور اختلفت، فأبناء اليوم اختلفوا عن أبناء الأمس
 فحتى حينما يفكر الوالدان أن يستخدما طريقة آبائهما في التربية
 فلن يكون الأمر مجدياً، لذلك فالمرونة والتفهم والاحتواء
هو الأسلوب الأمثل للتربية، مؤكدة أنه لو طبقت في الزمن القديم لن تنفع،
ذاكرة أن التوازن مطلوب في الأمور، وأن التربية تستلزم العدالة المطلقة
 في التعامل، فليس معنى أن يكون أحد الوالدين عاش معاناة كبيرة
في طفولته يدفعه ذلك لأن يكون متراخياً مع الأبناء حد التفريط
والعكس تماماً.
 
لا تتعاطف مع بكاء طفلك إلى درجة التسليم بما يريد
وأكدت "د. شيخة العودة" - مستشارة تربوية واجتماعية
أن الأسرة تشكل النواة الأولى لمعنى الحب والحنان والرفق للأبناء،
والدلال سلوك إيجابي من الآباء تجاه أبنائهم، وهو سلوك فطري
 ومطلوب إشاعته في البيوت لتربية الأبناء،
 عن النبِي صلى الله عليه وسلّم قال:
 
( إِنَّ الرِّفْقَ لا يَكُونُ فِي شَيْءٍ إِلاّ زَانَهُ، وَلا يُنْزَعُ مِنْ شَيْءٍ إِلاّ شَانَهُ )
وهذا لا يعني أن الرفق هو إهمال النصح والتوجيه والحزم،
 بل يعني معالجة الأمور تربوياً، ومعالجة تناسب السن وجنس الأبناء
 من دون تعنيف، مضيفة أن الأهل عليهم منذ الصغر غرس القيم
 والفضائل في نفوس أبنائهم وتدريبهم حتى يتم الاعتياد عليها،
مبينة أن إغداق الآباء على أبنائهم سيلاً من الدلال من منظور حمايتهم
 من الأزمات التي مروا فيها هم في صغرهم أو أثناء حياتهم هو صحيح
من جهة إذا كان في مستوى الاعتدال، وخاطئ من جهة إذا زاد على معدله
واختفى في خضمه الحزم والضبط وعدم محاسبة الأبناء عن أخطائهم
أو تصرفاتهم، وكذلك تلبية جميع طلباتهم سواء كانوا في حاجة إليها أو لا،
إضافة إلى إهمال وضع المنهجية والمبادئ والقيم في تربيتهم،
ما ينتج أجيالاً لا تخدم نفسها ولا مجتمعها.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق