الخميس، 23 يناير 2020

هل السيلفي مجرد صورة؟


هل السيلفي مجرد صورة؟



الآن أصبح التصوير على طريقة السيلفي هو الأكثر شهرة وانتشارًا

على مواقع التواصل الاجتماعي، فهناك ارتباط وثيق بين هذا النوع من

الصور ومواقع التواصل الاجتماعي، ويرى البعض أن انتشار السيلفي بمثابة

استجابة طبيعية للتطور التكنولوجي في طرق التواصل؛ فمع انتشار مواقع

مثل فيسبوك، وتويتر، وإنستغرام طور الأفراد من طرقهم في التعبير عن

أنفسهم وشخصياتهم، وكان تصوير السيلفي أحدها. ووجد أن ما يقارب

(55%) من صور جيل الألفية المنتشرة على مواقع التواصل التقطت

بطريقة السيلفي، ووجد أيضًا أن ما يزيد عن ألف صورة سيلفى تنشر

على موقع إنستغرام كل 10 ثواني.(2)



لماذا يلتقط الناس السيلفي؟

في دراسة أجريت في عام 2016؛ قام مجموعة من العلماء بسؤال ملتقطي

السيلفي عن الأسباب التي تدفعهم إلى نشر صورهم عبر مواقع التواصل

الاجتماعي وجاءت الإجابات لتلخص أربعة دوافع أساسية

لدى المشاركين(1):



أولها: لفت الانتباه وحمل الآخرين على رؤيتنا والاعتراف بوجودنا وتقييمنا

بالإعجاب، هنا تعمل السيلفي على توكيد الذات، "وتتفوق السيلفي على

غيرها من وسائل توكيد الذات الأخرى على شبكات التواصل الاجتماعي

كتحديثات الحالة وكتابة المنشورات وغيرها، وذلك لمدى حميمية

السيلفي والتصالها بالذات".



ثانيا: التواصل مع الآخرين، فعن طريق التعليقات والإعجابات يحدث

التواصل والذي يكون موضوعه حميمي جدا، يفتح الفرص لخلق علاقات

جديدة وثقل العلاقات القائمة بالفعل، فالسيلفي هنا تشبع حاجة الإنسان

للممارسة الاجتماعية التي يتوقعها كلما ينشر صورة خاصة به.



ثالثا: الأرشفة، وهي الوظيفة المعروفة للصور بشكل عام، والتي تعتبر

وسيلة أخرى لحفظ الذكريات؛ ورابعا: التسلية، وهنا تعتبر السيلفي مجرد

فعل عادي هدفه دفع الملل والشعور ببعض المتعة. وفرق العلماء بين سياقين

لهذه الدوافع، سياق النية وسياق السلوك الفعلي،وخلصوا أن هذه الدوافع

تعبر عن النوايا مما يشير إلى أن هناك ما هو أبعد من هذه النوايا الواضحة.



هل هناك ارتباط بين السيلفي والمرض النفسي؟

يهتم علماء النفس بتحليل وفهم السلوك بشكل عام وخصوصا عندما يتحول

سلوك معين إلى ظاهرة، تماما مثلما حدث مع صور السيلفي، بعد الكثي من

الأبحاث والدراسات أعلنت جمعية الطب النفسى الأميركية السيلفي ضمن

قائمة الاضطرابات النفسية(3)، وأطلقت عليه اضطراب "وسواس السيلفي"

(Selfitis)، وعرفته بأنه " أحد أشكال اضطراب الوسواس القهرى الذى

ينعكس في التقاط الفرد صور لنفسه، ويشاركها على التواصل الاجتماعى

بشكل قهرى. وصنفته جمعية الطب النفسى الأميركية إلى ثلاثة أنواع

محددة بحسب شدة الاضطراب هي(4):



وسواس السيلفي المزمن: ويعرف بأنه رغبة مُلحة لا يمكن السيطرة عليها

لالتقاط الفرد صور لنفسه على مدار الساعة، ونشرها على مواقع التواصل

لأكثر من ست مرات في اليوم.



وتقريبا لا تخلو معظم الدراسات التي بحثت موضوع السيلفي عن الإشارة

لارتباطه بالشخصية النرجسية (Narcissism) المعجبة بذاتها والمدفوعة

برغبة ملحة على الاستحواز على إعجاب الآخرين.(7) والتي تعود تسميتها

إلى أسطورة نارسيس الذي كان شابا وسيما جدا تحبه جميع الفتيات ولم يكن

يعرف لماذا كل هذا الحب المهووس به، فكان كل ما يرجوه أن يتركه الجميع

وشأنه إلى أن رأى صورته ذات يوم منعكسة على مياه البحيرة، فأحب نفسه

كثيرا ولم يعد يرغب في أي شيء سوى النظر إلى نفسه في المياه، وذات

يوم حاول نرسيس أن يلمس صورته المنعكسة في الماء فسقط ومات ونبتت

مكانه زهرة سميت زهرة النرجس، والتي اشتقت من اسمها كلمة النرجسية،



يقول محمود درويش:

"نرسيس ليس جميلا

كما ظن.. لكن صناعه

ورطوه بمرآته.. فأطال تأمله

في الهواء المقطر بالماء..

لو كان في وسعه أن يرى غيره

لأحب فتاة تحملق فيه،

وتنسى الأيائل تركض بين الزنابق والأقحوان..

ولو كان أذكى قليلا

لحطم مرآته

ورأى كم هو الآخرون.."



وفيما يتعلق بالفروق بين الجنسين وجد أن كلا الجنسين يفضلون التقاط

ونشر السيلفي؛ ولكن الإناث أكثر ميلاً لذلك مقارنة بالذكور حيث يكسبهن ثقة

بأنفسهن، وصورة إيجابية عن ذواتهن خاصة إذا حصلن على تعليقات

إيجابية من أصدقائهن.(5)



وفى دراسة هدفت لبحث العلاقة بين التصوير السيلفي وسمات الشخصية

لدى عينة من الجنسين. تم توجيه سؤال للمشاركين عن عدد الصور السيلفى

التى يشاركون الآخرين فيها في مواقع التواصل خلال الشهر السابق

للدراسة، وأوضح المشاركين أن ما يفوق (350) صورة سيلفى أخذوها

بمفردهم، وما يفوق(100) صورة سيلفي مع شركائهم العاطفيين، وما يفوق

(200) صورة سيلفي مع أصدقائهم. وكشفت النتائج أيضًا أن الإناث أكثر

مشاركة لصورهم السيلفي من الذكور بفرق دال خلال هذا الشهر. وكشفت

الدراسة عن ارتباط موجب بين التصوير السيلفي والانبساط وإظهار

(استعراض) (Exhibitionism) الذات.(5)



القصة كلها تدور حول الذات

معرفة من نحن وما نحن عليه مسعى إنساني لا تخطئه العين عند جميع

الناس تقريبا.(1) تقترح روتليدج أن السيلفي هو مجرد مرآة ننظر فيها

لنعرف ما نحن عليه بالفعل، فهي ترى أن البشر دايما كانوا حريصين على

استكشاف ذواتهم وهوياتهم الشخصية والاجتماعية، والدور الذي يلعبه

لسيلفي هو نفسه الدور الذي كان يقوم به البورتريه قديما، غير أن

البورتريه كان حكرا على الفنانين والأثرياء أما السيلفي حسب روتليدج فهو

(دمقرطة) للبورتريه أي بورتريه السوقة بلغة نيتشه(1)، لكن هذه الوظيفة

الموجهة إلى الداخل لا يعتبرها دايفينباخ وكريستوفوراكوس وظيفة مهمة

إلى جانب الوظيفة الموجهة للخارج، فالناس في رأيهم لا يأخذون السيلفي

ليتأملوا أنفسهم فلسفيا، وبحثا عن هوياتهم الضائعة، إنما هم يأخذونها

ليراها الآخرين ومن هنا فهم يعتبرون وظيفة عرض الذات

هي الوظيفة الأكثر جوهرية.(1)



وفي نهاية دراسته يقول طارق عثمان: "يختلف الناس في تحمسهم للسيلفي

وفقا لاختلافهم، أولا، في سماتهم الشخصية، (خاصة سمة النرجسية)، ثانيا:

في الإستراتيجيات التي يستخدمونها عادة في الواقع الاجتماعي لعرض

ذواتهم، فالذين يعرضون أنفسهم عبر إستراتيجية ترويج الذات، سيكونون

أكثر تحمسا للسيلفي، ويمكن أن الانتشار الطاغي للسيلفي إلى صلاحيتها

للاستخدام كوسيلة ناجعة لحاجة البشر الجذرية للكشف عن ذواتهم"(1)



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق