الأحد، 17 مايو 2020

صورتان من المروءة

صورتان من المروءة

دكتور عثمان قدري مكانسي


قال الأب لابنه : كن من أصحاب المروءة ؛ يا بني .

قال الابن : وما المروءة يا أبتِ ؟

قال الأب :

المروءة آداب نفسانية تحمل مراعاتُها الإنسانَ على الوقوف عند محاسن الأخلاق وجميل العادات .
من حازها كان رجلاً كاملاً ، ومؤمناً صادقاً ، لا يعرف من الشيم إلا أحسنها ، ومن الحياة إلا أشرفها .

قال الابن : جزاك الله خيراً ؛ يا والدي ، أفلا ذكرتَ لي بعض صورها ؟.

قال الأب : لك ذلك يا ولدي الحبيب .

أما الصورة الأولى : فقد ذكرها النبي صلى الله عليه وسلم في حق أخيه موسى عليه الصلاة والسلام .

قال الابن : كلي آذان صاغية يا أبي ومعلمي ، فهاتها حفظك الله ورعاك .

قال الأب :

رأى عيسى عليه السلام رجلاً يسرق ، فألطف له في الكلام معاتباً ومعلماً ، ونبهه إلى أنه يراه يسرق
... فما كان من الرجل إلا أنه أنكر فعل السرقة ، وأقسم بالله كذباً ومَيْناً ، فقال : كلا ، والله الذي لا إله إلا هو ، ما سرقت .

إن لفظ الجلالة عند أصحاب المروءة وأهل الإيمان مقدس ، فلا يتصورون أن يحلف به الإنسان كاذباً ، وإن كانوا متيقنين من كذبه وسوء فعلته .

عندما سمع عيسى عليه السلام الرجل يقسم أنه لم يسرق تناسى تماماً هذا الأمر ،
وقال كلمته التي تلقفها الدهر ، وكتبها بأحرف من نور في سجل سيدنا عيسى ، فصارت خالدة مدى الدهر :

" آمنْتُ بالله وكـذ ّبْتُ عيني "

قال الابن : ما أعظم أهل المروءة ، وما أرهف إحساسهم !.

قال الأب :

وصورة آخرى رائعة تدل على دقيق شعورهم .

هذا رجل كان في شبابه نبّاشاً للقبور ، يعتدي على حرمة الأموات ، فلما حضره الموت ،
وتذكر ما كان يفعله أوصى أهله ، فقال :

إذا أنا مِتّ فاجمعوا لي حطباً كثيراً ، وأوقدوا فيه ناراً ، حتى إذا أكلت النار لحمي ، وخلصَت إلى عظمي ،
فأحرقَـَتـْه فخذوا عظامي ، فاطحنوها ، ثم انظروا يوماً حارّاً شديد الرياح ، فاذ روه في اليم . ...ففعل أولاده ذلك .

إن الله تعالى القادر على خلقه من نطفة جمعه ثانية ، فقال له : لِم فعلتَ ذلك ؟ .

قال الرجل : من خشيتك يا ربّ ، لقد كان ذنبي عظيماً .

وعرف الله تعالى عميق إحساس الرجل بالذنب وخوفـَه من العقاب المرعب حين يقف
أمام رب العزة القادر على كل شيء ، فغفر له وتلقـّاه برحمته .

اللهم ؛ يا رحمن؛ يا رحيم ؛ يا غافر الذنب ، وقابل التوب ؛ ارحمنا إذا صرنا إليك ، وتب علينا ،
فررنا إليك من عذابك ، ولجأنا إليك من عقابك ، وأنت اللطيف الودود ..


أفر إليك منك ، وأين إلاّ إليك يفر منك المستجيرُ




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق