السبت، 6 فبراير 2021

لا تنتظر شكراً من أحد

 

لا تنتظر شكراً من أحد


خلق الله العباد ليذكروه، ورزق الله الخليقة ليشكروه، فعبد الكثير غيره،
وشكر الغالب سواه؛ لأن طبيعة الجحود والنكران والجفاء وكفران النعم
غالبة على النفوس، فلا تصدم إذا وجدت هؤلاء قد كفروا جميلك، وأحرقوا
إحسانك، ونسوا معروفك، بل ربما ناصبوك العداء، ورموك بمنجنيق
الحقد الدفين، لا لشيء إلا لأنك أحسنت إليهم

{ وَمَا نَقَمُوا إِلَّا أَنْ أَغْنَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ }
[التوبة:74]

وطالع سجل العالم المشهود؛ فإذا في فصوله قصة أبٍ ربى ابنه وغذاه
وكساه وأطعمه وسقاه، وأدبه، وعلمه، سهر لينام، وجاع ليشبع، وتعب
ليرتاح، فلما طر شارب هذا الابن وقوي ساعده، أصبح لوالده كالكلب
العقور، استخفافاً، ازدراء، مقتاً، عقوقاً صارخاً، عذاباً وبيلاً.

ألا فليهدأ الذين احترقت أوراق جميلهم عند منكوسي الفطر،
ومحطمي الإرادات، وليهنؤوا بعوض المثوبة عند من لا تنفد خزائنه.

إن هذا الخطاب الحار لا يدعوك لترك الجميل، وعدم الإحسان للغير، وإنما
يوطّنك على انتظار الجحود، والتنكر لهذا الجميل والإحسان،
فلا تبتئسن بما كانوا يصنعون.

اعمل الخير لوجه الله؛ لأنك الفائز على كل حال ثم لا يضرك غمط من
غمطك، ولا جحود من جحدك، واحمد الله لأنك المحسن، واليد العليا خير
من اليد السفلى

{ إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلا شُكُورًا }
[الإنسان:9].

وقد ذُهل كثير من العقلاء من جبلة الجحود عند الغوغاء، وكأنهم ما
سمعوا الوحي الجليل وهو ينعي على الصنف عتوه وتمرده

{ مَرَّ كَأَنْ لَمْ يَدْعُنَا إِلَى ضُرٍّ مَسَّهُ كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ }
[يونس:12].

لا تُفاجأ إذا أهديت بليداً قلماً فكتب به هجاءك، أو منحت جافياً عصاً يتوكأ
عليها ويهش بها على غنمه، فشج بها رأسك، هذا هو الأصل عند هذه
البشرية المحنطة في كفن الجحود مع باريها جل في علاه، فكيف
بها معي ومعك؟!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق