السبت، 6 نوفمبر 2021

دموع الذل

دموع الذل



كان ذا أسرة كبيرة ودخل محدود أثقلته متطلبات الأسرة ونفقات المدارس
فأخذ يستدين حتى يفي بما يلزمه من مصاريف.. فتراكمت عليه الديون
وحاصرته من كل مكان.. وازدادت عليه الهموم فقد بلغت ديونه مبلغا
كبيرا لا يمكن لدخله المحدود أن يفي ولو بجزء صغير منه.. فوقف عاجزا
بين متطلبات أسرته الكبيرة وبين أصحاب الديون الذين أخذوا يطالبونه بحقوقهم..
أغلقت له الدنيا أبوابها فلجأ إلى باب الواحد الأحد الذي لا يرد
سائلا ولا يغلق بابه في وجه من قصده، فهو الواحد الأحد الفرد الصمد
الذي تلجأ إليه جميع الخلائق لقضاء حوائجها ولا يحتاج هو لأحد..

دعاه بقلب يملؤه الثقة بالله تعالى ويفرجه ورحمته.. فأشرق له بصيص
من أمل في قضاء دينه.. فقد تقدم لابنته أحد كبار التجار وعرض عليه
مهرا كبيرا جدا يمكن به أن يقضي ما عليه من ديون..فرح الأب بذلك
وعرض على ابنته الكبرى الأمر فرفضت بشدة؛ لأنه أكبر منها سنا فهو
في عمر والدها.. حاول الأب أن يقنعها لعلها توافق عليه وذكرّها بما عليه
من ديون.. أثقلت كاهله، وطأطأت رأسه لكنها لم تلن ولم تقبل أن تضحي
من أجل والدها..لم يشاء والدها أن يجبرها فيكون سببا في تعاستها..
لكنه تمنى منها أن تقدّر ظروفه وتوافق راغبة، فالمتقدم رجل لا غبار
عليه في خلق أو دين؛ لكنه كبير في السن نوعا ما وهذا شيء لا يقدح
فيه.. فكثير من الرجال يتزوج في كبره ويكون زواجه ناجحا وسعيدا..
لكنها أصرت على موقفها..فشعر أن الباب الذي يمكن أن يكون سبب
لإزاحة هذا الثقل عن كاهله يكاد أن يُغلق.. فأسبل الدمع حزنا وعجزا
عن دفع هذا الهم الذي يكاد يقتله وسداد هذا الدين الذي أرهقه، وقال:
حسبي الله ونعم الوكيل.. فرأته ابنته الصغرى ورأت دموع العجز والحزن
تنحدر على خديه، فقالت له: كفكف دموعك يا أبي لن أرضى أن تخرج
هذه الدموع الغالية وأنا أستطيع أن أكفكفها عنك.. ادفعني إليه يا أبي
فإني أرضى أن أكون زوجة له بشرط أن يسدد جميع ديونك.. لم يصدق
الأب ما سمع.. فكررت ابنته عليه ما قالت، فسُرّ بذلك وحمد الله وأثنى
على ابنته خيرا ودعا لها.. ثم تم العقد عليها لذلك الرجل، ودفع لهم مبلغا
كبيرا مهرا لعروسه.. فأعطته لوالدها وقضى به ما عليه من دين،
وأزاحت بذلك عن والدها الهم الذي أثقله سنوات عديدة.. لقد كانت تتمنى
مثل كثير من الفتيات الشاب الذي يقاربها في السن ويكون ذا علم ودين
وخلق.. الشاب الذي تكون هي أول زوجة تدخل في حياته؛ لتحيلها إلى
سعادة وحبور.. والشاب الذي ترضاه لنفسها بدون ضغوط أو اضطرار..
الذي تقبله لشخصه وليس لماله حتى لا يمتن عليها بماله، ويظن أنه
اشتراها به.. ثارت في نفسها مشاعر مختلطة ما بين خوف وقلق وحزن؛
لكنها لجأت إلى الله تعالى أن يمدها بعون منه ورحمة وأن يعوضها خيرا
وأن يصبرها ويرزقها طاعة زوجها وإكمال حقوقه..وحددوا موعد الزواج
وقبل الزواج بأيام حصل أن زوجها سافر فجأة لعمل مهم فتأجل الزواج
إلى حين عودته..لكنه لم يعد.. فقد وافته منيته في تلك السفرة.. ولم يتم
الزواج ثم ورثت زوجته التي لم يدخل بها الملايين.. وأصبحت من الأغنياء
ما بين عشية وضحاها.. وهي التي ضحت بنفسها من أجل المال
حتى تقضي به ما على والدها من ديون.. وهي التي لم تستطع أن تتحمل رؤية
دموع العجز والذل في عيني والدها، فآثرت أن تضحي بسعادتها
من أجل أن تمسح الشعور بالذل الذي يلازم والدها.. وترجع إليه الابتسامة
التي فقدتها فيه منذ مدة.. لقد عوضها ربها خيرا عن صبرها وتضحيتها
من أجل والدها فكفاها الأمر ورزقها من حيث لا تحتسب.. فسبحان من
لا يرد سائلا ولا يخيب راج، وسبحان من يجيب من دعاه
ويكفي من توكل عليه .


 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق