الثلاثاء، 11 أبريل 2023

أقل ما يحصل به قيام الليل

 


أقل ما يحصل به قيام الليل



السؤال
هل إذا صلى الرجل منفردا ركعتين أو ركعة إيمانا واحتسابا بعد العشاء يوميا
فى رمضان يكون قام رمضان إيمانا واحتسابا؟ وإذا كانت الاجابة لا، فهل
الإجابة تختلف فى فترة الوباء؛ نظرا لأن جماعة التراويح ممنوعة، وأنه فى
جماعة التراويح يسهل على المرء صلاة 11 أو 9 ركعات، أما فى حالة
الانفراد يثقل على النفس ذلك ؟

الجواب
الحمد لله.

أولا:
قيام الليل قربة عظيمة في رمضان وغيره، وهو في رمضان آكد؛
لقوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
( مَنْ قَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ )
رواه البخاري (37)، ومسلم (759).

وخير القيام وأفضله: ما وافق فعله صلى الله عليه وسلم، وهو صلاة ثمان
ركعات، لا تسل عن حسنهن وطولهن، ثم الإيتار بثلاث؛ لقول عائشة
رضي الله عنها : " مَا كَانَ يَزِيدُ فِي رَمَضَانَ وَلَا فِي غَيْرِهِ عَلَى إِحْدَى عَشْرَةَ
رَكْعَةً يُصَلِّي أَرْبَعًا فَلَا تَسَلْ عَنْ حُسْنِهِنَّ وَطُولِهِنَّ ثُمَّ يُصَلِّي أَرْبَعًا فَلَا تَسَلْ عَنْ
حُسْنِهِنَّ وَطُولِهِنَّ ثُمَّ يُصَلِّي ثَلَاثًا " رواه البخاري (2013)، ومسلم (738).

وأقل ما يحصل به القيام ركعتان، وأكثره لا حد له؛ لما روى البخاري
(472)، ومسلم (749) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ سَأَلَ رَجُلٌ النَّبِيَّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ مَا تَرَى فِي صَلَاةِ اللَّيْلِ قَالَ: مَثْنَى
مَثْنَى ؛ فَإِذَا خَشِيَ الصُّبْحَ : صَلَّى وَاحِدَةً فَأَوْتَرَتْ لَهُ مَا صَلَّى .

وروى أبو داود (1451)، وابن ماجه (1335) عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ،
وَأَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَا: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( مَنِ اسْتَيْقَظَ
مِنَ اللَّيْلِ وَأَيْقَظَ امْرَأَتَهُ، فَصَلَّيَا رَكْعَتَيْنِ جَمِيعًا، كُتِبَا مِنَ الذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا
، وَالذَّاكِرَاتِ ) وصححه الألباني في "صحيح أبي داود".

فهذا الحديث يدل على أن قيام الليل يحصل بركعتين .
وروى أبو داود (1398) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، قَالَ:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
( مَنْ قَامَ بِعَشْرِ آيَاتٍ لَمْ يُكْتَبْ مِنَ الغَافِلِينَ، وَمَنْ قَامَ بِمِائَةِ آيَةٍ كُتِبَ
مِنَ القَانِتِينَ، وَمَنْ قَامَ بِأَلْفِ آيَةٍ كُتِبَ مِنَ المُقَنْطِرِينَ )
وصححه الألباني في "صحيح أبي داود".

قال المنذري في الترغيب والترهيب: " قوله: (من المقنطَرين) أي: ممن
كتب له قنطار من الأجر. مِن سورة تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ إلى آخر القرآن
ألف آية. والله أعلم" انتهى.

ومن الفقهاء من قال: أقل القيام ثمان ركعات.

ومنهم من قال: أن يقوم الليلة أو أكثرها.

قال في "الدر المختار":
" وصلاة الليل وأقلها ، على ما في الجوهرة : ثمان" انتهى.

قال ابن عابدين في "حاشيته عليه" (2/ 25): " (قوله وأقلها على ما
في الجوهرة ثمان) قيد بقوله على ما في الجوهرة؛ لأنه في الحاوي القدسي
قال: يصلي ما سهل عليه ، ولو ركعتين، والسنة فيها ثماني ركعات بأربع
تسليمات اهـ ... وقال فيها أيضا: وهذا بناء على أن أقل تهجده –
صلى الله عليه وسلم - كان ركعتين، وأن منتهاه كان ثماني ركعات أخذا
مما في مبسوط السرخسي. ثم ساق تبعا لشيخه المحقق ابن الهمام الأحاديث
الدالة على ما عينه في المبسوط من منتهاه، وحديث أبي داود الدال على أن
أقل تهجده - صلى الله عليه وسلم - أربع سوى ثلاث الوتر ،
وتمام ذلك فيها فراجعها.

لكن ذكر آخرا عنه - صلى الله عليه وسلم - من استيقظ من الليل وأيقظ أهله
فصليا ركعتين كتبا من الذاكرين الله كثيرا والذاكرات رواه النسائي وابن ماجه
وابن حبان في صحيحه والحاكم، وقال المنذري صحيح على شرط الشيخين. اهـ.

أقول: فينبغي القول بأن أقل التهجد ركعتان وأوسطه أربع
وأكثره ثمان، والله أعلم" انتهى.

وفي "الفتاوى الهندية" (1/ 112): " ( وَمِنْهَا ) صَلَاةُ اللَّيْلِ . كَذَا فِي الْبَحْرِ
الرَّائِقِ وَمُنْتَهَى تَهَجُّدِهِ عليه السلام ثَمَانِ رَكَعَاتٍ وَأَقَلُّهُ رَكْعَتَانِ . كَذَا فِي فَتْحِ
الْقَدِيرِ نَاقِلًا عَنْ الْمَبْسُوطِ" انتهى.

وفي "الفواكه الدواني" (1/ 201): " َأَمَّا فِي حَقِّهِ صلى الله عليه وسلم
فَهُوَ وَاجِبٌ لِمَا فِي الْبَيْهَقِيّ: ثَلَاثٌ هُنَّ عَلَيَّ فَرَائِضُ وَلَكُمْ تَطَوُّعٌ : التَّهَجُّدُ
وَهُوَ قِيَامُ اللَّيْلِ وَالْوِتْرُ وَالضُّحَى وَالْوَاجِبُ عَلَيْهِ صلى الله عليه وسلم مِنْهُ
أَقَلُّهُ وَهُوَ رَكْعَتَانِ" انتهى.

وفي "الموسوعة الكويتية"(14/ 88): "اتفق الفقهاء على أن أقلها
ركعتان خفيفتان لما روى أبو هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم
قال : " (إذا قام أحدكم من الليل فليفتتح صلاته بركعتين خفيفتين) " انتهى.

وقال العيني في "عمدة القاري" (1/ 228): "لفظ: (من يقم لَيْلَة الْقدر)،
هَل يَقْتَضِي قيام تَمام اللَّيْلَة، أَو يَكْفِي أقل مَا ينْطَلق عَلَيْهِ اسْم الْقيام؟

وَأجِيب: بِأَنَّهُ يَكْفِي الْأَقَل ، وَعَلِيهِ بعض الْأَئِمَّة، حَتَّى قيل بكفاية فرض صَلَاة
الْعشَاء فِي دُخُوله تَحت الْقيام فِيهَا، لَكِن الظَّاهِر مِنْهُ عرفا : أَنه لَا يُقَال:
قيام اللَّيْلَة، إلاَّ إِذا قَامَ كلهَا ، أَو أَكْثَرهَا" انتهى.

والصحيح ما قدمنا من أن القيام يحصل بركعتين.

ثانيا:
قد ورد ما يفيد أن أقل القيام ركعة، لكنه لا يصح.

فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم
بصلاة الليل، ورغَّب فيها حتى قال: عليكم بصلاة الليل ولو ركعة رواه
الطبراني في "الكبير" و"الأوسط".
وضعفه الألباني في "ضعيف الترغيب والترهيب" (365).

وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: فَذَكَرْتُ قيامَ الليلِ، فقال بعضهم: إن
رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: نصفَه، ثلثَه، ربعَه، فُواق حَلْبِ ناقةٍ،
فُواق حلْبِ شاةٍ رواه أبو يعلى.
وضعفه الألباني في "ضعيف الترغيب والترهيب" (364).

(فُواق الناقة) : " بضم الفاء وتفتح ما بين الحلبتين من الوقت، لأنها تحلب
ثم تترك سويعة يرضعها الفصيل، لتدر" انتهى،
من "فيض القدير" (6/173).

واعلم أن الوتر غير قيام الليل، فلا يؤخذ من صحة الوتر بركعة،
أن أقل القيام ركعة.

قال في "كشاف القناع" (5/ 23): "( وَهَلْ هُوَ ) أَيْ الْوِتْرُ ( قِيَامُ اللَّيْلِ أَوْ
غَيْرُهُ ؟ احْتِمَالَانِ ؛ الْأَظْهَرُ : الثَّانِي ) ، أَيْ أَنَّ الْوِتْرَ غَيْرُ قِيَامِ اللَّيْلِ ، لِحَدِيثٍ
سَاقَهُ ابْنُ عَقِيلٍ: الْوِتْرُ وَالتَّهَجُّدُ وَرَكْعَتَا الْفَجْرِ . قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: فَرَّقَ
أَصْحَابُنَا هُنَا بَيْنَ الْوِتْرِ ، وَقِيَامِ اللَّيْلِ " انتهى.

وانظر جواب السؤال رقم : (52875 ) وهو بعنوان:
هل تختلف صلاة الوتر عن صلاة الليل؟

ثالثا:
لا يخفى أن هذه القربة العظيمة تحتاج إلى اجتهاد وتشمير، لا سيما في
رمضان، وأنه كلما زاد العبد من الصلاة زاد أجره، وأن كل سجدة يرفع الله
العبد بها درجة، كما روة مسلم (488) عن مَعْدَانِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ الْيَعْمَرِيُّ،
قَالَ: " لَقِيتُ ثَوْبَانَ مَوْلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقُلْتُ: أَخْبِرْنِي
بِعَمَلٍ أَعْمَلُهُ يُدْخِلُنِي اللهُ بِهِ الْجَنَّةَ؟ أَوْ قَالَ قُلْتُ: بِأَحَبِّ الْأَعْمَالِ إِلَى اللهِ، فَسَكَتَ.
ثُمَّ سَأَلْتُهُ فَسَكَتَ. ثُمَّ سَأَلْتُهُ الثَّالِثَةَ فَقَالَ: سَأَلْتُ عَنْ ذَلِكَ رَسُولَ اللهِ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: عَلَيْكَ بِكَثْرَةِ السُّجُودِ لِلَّهِ، فَإِنَّكَ لَا تَسْجُدُ لِلَّ
هِ سَجْدَةً، إِلَّا رَفَعَكَ اللهُ بِهَا دَرَجَةً، وَحَطَّ عَنْكَ بِهَا خَطِيئَةً قَالَ مَعْدَانُ:
ثُمَّ لَقِيتُ أَبَا الدَّرْدَاءِ فَسَأَلْتُهُ فَقَالَ لِي: مِثْلَ مَا قَالَ لِي: ثَوْبَانُ ".

فمن الغَبن الشديد : أن يقتصر الإنسان على ركعتين ، إلا لأمر طارئ ينزل به
في بعض لياليه ؛ كأن يكون متعبا ، أو مشغولا بعمل لا يتمكن معه من
الصلاة، ولا يمكنه تأخيره إلى وقت سعة، وأما مع السعة والتفرغ، فإنه يدل
على ضعف الهمة، وربما دل على شح النفس ، وضعف الإيمان.

فاجتهد وثابر، وأخلص النية لله، وجاهد نفسك، وألزمها الطاعة،
حتى يسهل عليك قيادها.
نسأل الله لنا ولك التوفيق والعون والسداد.


المصدر/ مجموع فتاوى ابن باز

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق