السبت، 30 يناير 2016

تشبيه القلب بالأرض


 
و لما كانت الجدُوب متتابعة على القلوب ،
و قحطُ النفوس متوالياً عليها  
جدّد له الدعوة آلة هذه المأدبة وقتا بعد وقت رحمة منه به،

فلا يزال مُستسقيا ، طالبا إلى من بيده غيثُ القلوب ،
 و سَقيُها مستمطراً سحائب رحمته
لئلا يَيبس ما أنبتته له تلك الرحمة من نبات الإيمان ،
 و كلأ الإحسان و عُشبه و ثماره ،
 و لئلا تنقطع مادة النبات من الروح و القلب ،
 

فلا يزال القلب في استسقاء و استمطار هكذا دائما ،
يشكو إلى ربه جدبه ، و قحطه ، و ضرورته إلى سُقيا رحمته ،
 و غيث برِّه ، فهذا دأب العبد أيام حياته.
 
 
 فالقحط الذي ينزل بالقلب هو الغفلة ،
 فالغفلة هي قحط القلوب و جدبها ،
 و ما دام العبد في ذكر الله و الإقبال عليه
فغيث الرحمة ينزل عليه كالمطر المتدارك ،
فإذا غفل ناله من القحط بحسب غفلته قلة و كثرة ،
 فإذا تمكَّنت الغفلة منه ،
 و استحكمت صارت أرضه خرابا ميتة ،
 و سنته جرداء يابسة ،
 و حريق الشهوات يعمل فيها من كل جانب كالسَّمائم.
 فتصير أرضه بورا بعد أن كانت مخصبة بأنواع النبات ،
و الثمار و غيرها ،
 

و إذا تدارك عليه غيث الرحمة
اهتزت أرض إيمانه و أعماله و ربت ،
 و أنبتت من كلِّ زوج بهيج ،
 فإذا ناله القحط و الجدب
 كان بمنزلة شجرة رطوبتها و خضرتها و لينها و ثمارها من الماء ،
 فإذا منعت من الماء يبسَت عروقها و ذبلت أغصانها ،
 و حُبست ثمارها ، و ربما يبست الأغصان و الشجرة ،
 فإذا مددت منها غصناً إلى نفسك لم يمتد ،
 و لم ينْقَد لك ، و انكسر ،
فحينئذ تقتضي حِكمة قيِّم البستان قَطع تلك الشجرة
و جعلَها وقوداً للنار .
 
 
أسرار الصَّلاة للإمَام العلامَة ابن قيِّم الجَوزيَّة

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق