الأربعاء، 4 أكتوبر 2017

رباعية التعامل مع أخطاء أبنائنا


(التربية الملائكية)

هي من أكبر الأخطاء التربوية عندما نتوقعها من أبنائنا، ونقصد

بها التربية المثالية التي يمارسها الوالدان على أبنائهما وينظران

إليهم وكأنهم ملائكة لا يخطئون، فأكثر ما يزعج الوالدين ارتكاب

أبنائهم الخطأ، كأن يرفض الطفل أوامرهما أو أن يضرب اخوانه

أو أن يتلفظ بألفاظ بذيئة كالسب والشتم، فهذه أمثلة لأخطاء الصغار.

أدعو إلى الواقعية وعدم المثالية في نظرتنا لأبنائنا، لأن نظرتنا

المثالية تجعلنا دائمي التوتر والعصبية لكل خطأ يفعلونه، وتجعلنا

كذلك سريعي العقوبة والحرمان لأقل خطأ يرتكبونه، فلا نعطيهم فرصة

لتصحيح الخطأ، أو نعطي أنفسنا فرصة لتعليمهم كيف يتجاوزون الخطأ.

أما الكبار فتحايلهم ومراوغتهم وقت الدراسة أو تأخير الصلاة وعدم

الالتزام بها ، أو إظهار السمع والطاعة لكلام الوالدين بينما هما

يفعلان عكس ذلك، فإذا ما كبر الطفل وصار مراهقا فإن الوالدين

ينزعجان كثيرا لو اكتشفا أنه يرتكب خطأ سلوكيا، أو يفعل ذنبا مع

أصدقائه أو معصية سرية في غرفته أو في جواله، فهذه بعض

الأمثلة التي توتر الوالدين في علاقتهما مع أبنائهما.

وقد مرت علي قصص كثيرة رأيت فيها قطعا للعلاقات بين الوالدين

وأبنائهما بسبب خطأ ارتكبوه أو ذنب عملوه، ولعل من أغرب

القضايا التي مرت علي أن أما قطعت علاقتها بابنتها لمدة خمس

سنوات بسبب مماطلة الفتاة في ارتداء حجابها، وأب قطع علاقته

بابنه المراهق ست سنوات، لأنه تارك للصلاة ولديه علاقات

نسائية، ووالدان قطعا علاقتهما بابنهما عشر سنوات لأسباب تافهة

لا تذكر ، وغيرها من القصص التي يتخذ فيها الآباء عقوبة ظالمة

كالقطيعة ويعتقدون أن هذه العقوبة ستنقل الطفل من بشريته

إلى أن يصبح ملاكا.

أنا لا أدعو في هذا المقال إلى ترك توجيه الأبناء إذا أخطأوا أو

إلى الفرح بأخطائهم، لكني أدعو إلى الواقعية وعدم المثالية في

نظرتنا لأبنائنا، لأن نظرتنا المثالية تجعلنا دائمي التوتر والعصبية

لكل خطأ يفعلونه، وتجعلنا كذلك سريعي العقوبة والحرمان لأقل

خطأ يرتكبونه، فلا نعطيهم فرصة لتصحيح الخطأ ، أو نعطي أنفسنا

فرصة لتعليمهم كيف يتجاوزون الخطأ.

فالتربية الملائكية تحرمنا من كل هذه الفرص التربوية، ورسولنا الكريم

(صلى الله عليه وسلم) علمنا منهج قيم في التعامل مع بشريتنا بقوله

(والذي نفسي بيده لو لم تذنبوا لذهب الله بكم وجاء بقوم يذنبون

فيستغفرون الله فيغفر لهم).

فلماذا نقبل تطبيق هذا المنهج التربوي على أنفسنا ولا نقبله لأبنائنا؟!

ولماذا لا نربي أبناءنا عليه؟

فليس الخطأ في ارتكاب الخطأ وإنما الخطأ في الاستمرار على الخطأ.

فنحن لسنا كالنصارى لا نغفر الخطأ إلا عند قسيس بيده مفتاح الجنة،

بل يجب أن نربي أطفالنا على المبادرة بالتوبة لو كان الخطأ في حق

الله، والمبادرة بالاعتذار لو كان الخطأ في حق الناس.

فهذه هي التربية الصحيحة وليست التربية الملائكية، ولهذا نلاحظ

أن القرآن الكريم ذكر لنا أخطاء ارتكبها الأنبياء عليهم السلام

في لحظات ضعفهم، ليوصل لنا رسالة مفادها أننا بشر

ومعرضون للخطأ والضعف.

فقد قال الله عنهم

{ وَعَصَىٰ آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَىٰ }،

ونوح

{ قَالَ رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ }

وداود

{ وَظَنَّ دَاوُودُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ }

وسليمان

{ وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمَانَ }

ويوسف

{ وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا }

وموسى

{ قَالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي }

ومحمد (صلى الله عليه وسلم) ورد في حقه

{ عَبَسَ وَتَوَلَّى أَنْ جَاءَهُ الْأَعْمَى }.

ومن الصحابة من شرب الخمر وهو يعلم بحرمتها مثل نعيمان بن

عمر الأنصاري - رضي الله عنه - وقد أقام النبي عليه حد شرب الخمر ،

وكذلك قدامة بن مظعون - رضي الله عنه - وقد أقام عمر الفاروق

عليه الحد كذلك وكلاهما شهدا غزوة بدر.

كل هذه الأمثلة من القرآن الكريم وسيرة الصحابة ترشدنا

إلى المنهج التربوي الصحيح بقواعده الأربع،

وهي: أولا :

أن الأصل أن نربي أبناءنا على الاستقامة ونقبل خطأهم لو أخطأوا،

ثانيا :

نعلم أبناءنا في حالة ارتكاب الخطأ أن يبادروا بالتوبة أو الاعتذار ،

ثالثا :

نعلم أبناءنا ألا يرتكبوا الخطأ في العلانية وإنما يسترون على أنفسهم

ويعملونه في السر لو صمموا على فعله،

رابعا :

نعلم أبناءنا أن يستعينوا بخبراء أو مستشارين أو بأحد الوالدين

ليساعدوهم في تجاوز الخطأ. فهذه هي رباعية التعامل مع أخطاء

أبنائنا، وأهم قاعدة أن نتجنب قطيعتهم كما تجنبها يعقوب عليه

السلام مع أبنائه عندما ألقوا أخيهم يوسف في الجب.

د. جاسم المطوع

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق