الثلاثاء، 30 أكتوبر 2018

حياة ضائعة في "قيل وقال"


تُرى كم من أيام عمرنا أمضيناها في نقل كلام الناس،
والرد عليهم، وتفنيد أقوالهم، والتجهز للرد عليهم؟

تخيل لو أن الناس كانوا ينهون الحوارات في مكانها، ولا ينقلونها،
ولا يعيدون فتحها بدون داعي، تخيل كما كانت المشكلات ستنتهي؟

تخيل لو أن الجهد الكلامي الكبير الذي نبذله يوميا، ويحتل أغلب
نشاطاتنا، تخيل لو أنه كان في التفكير المجدي، في تطوير الحياة،
حل المشكلات، التفكر، التعلم، بدلا من إحراقه في ترديد ومط الكلام
وإعادته وتحويره؟.

وتخيل.. فقط تخيل
لو أن وسائل التواصل الاجتماعي خلت من حروب الردود والتعليقات
والمشاركات المتهكمة على الغير، فضلا عن الافتراءات
والتفسيرات الظالمة!

قد نشعر لاعتيادنا على إعادة تدوير الكلمات وتحليلها وتفنيدها ونقلها أنه
أمر عادي لا تكون الحياة إلا به، ولكن لا.. إنها فقط عادة بشرية سيئة،
والأهم أن الله الخالق سبحانه كره هذا الأمر لنا.

قال صلى الله عليه وسلم:

( إن الله كره لكم ثلاثا: قيل وقال، وإضاعة المال، وكثرة السؤال )
. متفق عليه

العجيب والمؤسف أن هذه العادة تجد لنفسها مكانا وتتطور مع التطور
التكنولوجي وليس العكس، فكلما امتلك البشر وسيلة جديدة للتواصل
والتحاور تربع على عرشها (القيل والقال)، فمثل هذه الموضوعات تحصد
"اللايكات" حصدا رغم تفاهتها الشديدة وعدم جدواها.. ولكن الغيبة
والنميمة هي فاكهة المجالس المسمومة التي تنشط لها النفوس الرديئة.

ويتربى الكثيرون على أن الصمت ضعف، وأن عدم الرد على الإساءة
هزيمة، وأنه إذا لم يفضح وينقل ويكثر وفتري سيضيع حقه!

ولكن.. لا أتخيل إنسانا ناجحا بحق يضيع وقته وأعصابه وطاقته وحسناته
في إعادة الكلام، في: ماذا قال فلان؟، وكيف رد عليه علان،
وماذا كان موقف ترتان...!

إن هذا السلوك الذي كرهه رب العباد يشمل كل مسلك، بل حتى في الفقه
وعلوم الشريعة الغراء، مكروه التقعر والتحذلق والتوسع في الافتراضات.
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

( مَا ضَلَّ قَوْمٌ بَعْدَ هُدًى كَانُوا عَلَيْهِ, إِلا أُوتُوا الْجَدَلَ,
ثُمَّ تَلا: مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلاً بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ ).
رواه الترمذي

إن التخلص من عادة "قيل وقال" سينهي الكثير من مشلات العالم، بدءا
من الغيبة والنميمة والمشكلات الزوجية والعائلية، مرورا بأزمات العمل
وانتهاء بالحروب والصراعات؛ فالشائعات ما هي إلا تمدد "للقيل
والقال"، والكذب يأتي كضرورة لهذه العادة المقيتة أيضا.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق