الأربعاء، 14 يوليو 2021

موسوعة المؤرخين (83)

 

موسوعة المؤرخين (83)


ابن حيان القرطبي..شيخ مؤرخي الأندلس (08)

ملاحظات على كتابات ابن حيان التاريخية:
هناك عدة ملاحظات حول أعمال ابن حيان التارخية من حيث أنه "أرخ
للعدوتين الأندلس والمغرب" تأريخا شاملًا مؤسسًا على الاهتمام بالأخبار
بالدرجة الأولى خاصة في كتابه "المقتبس"، ولم يحاول لسبب أو لآخر
أن يكتب في تاريخ أي قطر من أقطار العالم والإسلامي، وإنما قَصَرْ
نشاطه العلمي على العدوتين -المغرب والأندلس. والملاحظة الأخرى أنه
ركّز بصفة خاصة على قُرْطُبَة التي كان يعتد بها أشد الاعتداد، متخذًا
من ولاءه لبني أمية منطلقًا أساسيًا في كتاباته ؛ مما أدى ذلك
إلى تسفيه خصومهم في الداخل والخارج .

وملاحظة أخرى تم رصدها من خلال العديد من مفرداته وهي تعدد
مجالات المعرفة الاجتماعية والثقافية التي طرقها ابن حَيَّان وعكست لنا
ألوانًا من الحياة الأندلسية الاجتماعية والثقافية؛ فنراه يرصد العديد
من الظواهر الاجتماعية عندما يصور شرائح المجتمع بما فيها من صور
الوشاية، والذم، والمكائد، وفساد القضاة، كما عكس الصراع الذي كان
يدور بين الفقهاء والخليفة وأوضحت أيضًا مدى اهتمامه بالجانب
الاقتصادي من خلال تعدد مفردات مثل" دار السكة" و"دار الضرب"
و"خالص الذهب والفضة"، و"قبض الجباية"، و"تدليس العملة" الخ .

وهناك ملاحظة أخرى اتصفت بها بعض كتابات ابن حيان حيث اتصف
بشيء لا يحمد عليه، ولا يعد من المميزات الحسنة، بل هو نقطة ضعف
في تاريخه، تجعل القارئ لا يطمئن إلى كل ما يرويه أو ما يخبر به. ونعني
بذلك الذمّ والطعن والتشنيع على الناس مما ضج منه غير واحد من
العلماء والمؤرخين الذين نقلوا عنه واستفادوا منه، فكانوا يستخلصون
المعلومات والإفادات التي تهمهم في الموضوع ويعرضون عن لمزاته
ونيله من الأعراض والأشخاص الذين يترجم لهم. وابن بشكوال في كتابه
"الصلة" أول من يفعل ذلك. ولما ترجم لابن حيان أثنى عليه الثناء
الجميل، وأشار إلى ما ينتقد عليه من ذلك في صورة إبراء على عادة
العلماء. إذ حكى عن الفقيه الصالح أبي عبد الله بن عون أنه رآه في النوم
بعد وفاته، فسأله ما فعل الله به فقال: غفر لي. قال: فقلت له فالتاريخ
الذي صنعت ندمت عليه؟ فقال: أما والله لقد ندمت عليه إلا أن الله
عز وجل بلطفه عفا عني وغفر لي.

فهذه الحكاية صحّت أم لا، في سياقها الجميل اعتذار لطيف كان هو
الإعلان من ابن بشكوال رحمه الله عن عدم موافقته على صنيع ابن حيان
في نبش عيوب الناس ولو كانت واقعا ثابتا، فإنه لم يقدح في صدقه،
ولكنه استنكر التشهير بعباد الله فيما أمرنا بستره وعدم البحث عنه، ولا
سيما مع عدم المقتضي لذكره واستكمال فائدة الخبر بالسكوت عنه، فإنه
حينئذ يصبح هِجاء، وهل يكون المؤرخ هَجَّاء.



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق