الاثنين، 6 ديسمبر 2021

بطر النعم وجحودها

بطر النعم وجحودها


الله سبحانه وتعالى أسبغ نعمه الظاهرة والباطنة على بني آدم، وكل إنسان
محاط بهذه النعم، بيد أن البعض كنودٌ يعد المصائب وينسى النعم بل ويجحدها،
ودائم النظر والتطلع إلى ما في يد غيره، ولا ينظر إلى ما حباه
الله به من هبات وعطايا، ولذا تجده متسخطًا لا يرضى بحاله.

وصدق ربي إذ يقول:
{ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ }
[النحل: 18]؛
أي: يتجاوز عنكم، ولو طالبكم بشكر جميع نعمه لعجزتم عن القيام بذلك،
ولو أمركم به لضعفتم وتركتم، ولو عذبكم لعذبكم وهو غير ظالم لكم،
ولكنه غفور رحيم، يغفر الكثير، ويجازي على اليسير.

وقال تعالى:
{ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا }
فضلا عن قيامكم بشكرها،
{ إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ }
[إبراهيم: 34]؛
أي: هذه طبيعة الإنسان من حيث هو ظالمٌ متجرئ على المعاصي مقصر
في حقوق ربه كفَّار لنعم الله، لا يشكرها ولا يعترف بها إلا
من هداه الله فشكر نعمه، وعرف حق ربه وقام به.

فلا تمدن عينيك إلى ما في يد غيرك وأبصر نعم الله عليك وارض بقسمتك
تعش مرتاح البال منشرح الصدر، وارض بالله ربا وبالإسلام دينًا وبمحمد
نبيًا، فـ « من حق الله على عبده أن يرضى به ربًّا وبالإسلام دينًا وبمحمدٍ
رسولًا»، وهذا الرضى يقتضي رضاه بربوبيته له في كل ما يقضيه
ويقدره عليه في عطائه له ومنعه، وفي قبضه وبسطه.

ورضاه بالإسلام دينًا يوجب عليه رضاه به وعنه في كل ما يأمره وينهاه
عنه ويحبه منه ويكرهه له، فلا يكون في صدره من ذلك حرج بوجه.

ورضاه بمحمد رسولًا يوجب أن يرضي بحكمه له وعليه، وأن يسلم
لذلك وينقاد له ولا يقدم عليه غيره.

وهذا يوجب أن يكون حبه كله لله، وبغضه كله في الله، وعطاؤه لله ومنعه
لله، وفعله لله وتركه لله، وإذا قام بذلك كانت نعم الله عليه أكثر من عمله،
بل فعله ذلك من أعظم نعم الله عليه حيث وفقه له ويسره له، وأعانه عليه
وجعله من أهله وخصه به، فهو يستدعي شكرًا آخر عليه، فلا سبيل له
إلى القيام بما يجب لله تعالى عليه من الشكر أبدًا.

فنعم الله تطالبه بالشكر، وأعماله لا تقابلها، وذنوبه وغفلته وتقصيره
قد يستنفذ عمله، فديوان النعم وديوان الذنوب يستنفدان طاعاته كلها،
هذا وأعمال العبد مستحقة عليه بمقتضى كونه عبدًا ملوكًا مستعملا فيما
يأمره به سيده، فنفسه مملوكة وأعماله مستحقة عليه بموجب العبودية
فلا يستحق ثوابًا ولا جزاء، فلو أمسك الثواب والجزاء الذي يتنعم به
لم يكن ظلمًا فإنه يكون قد فعل ما وجب عليه بحق كونه عبدًا.

ومن لم يحكم هذا الموضع فإنه عند الذنوب وعقوباتها تصدر منه
من الأقوال ما يكون فيها أو في بعضها خصمًا لله متظلمًا منه شاكيًا له،
وقد وقع في هذا من شاء الله من الناس، ولو حركت النفوس
لرأيت العجب.


 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق