السبت، 8 يناير 2022

توبة فتاة متبرجة

 

توبة فتاة متبرجة

تقول هذه الفتاة :
تسع بنات وخمس ذكور هم عدد أفراد أسرتي بالإضافة إلى الوالدين ..
كان همّ الوالدة الأكبر هو تزويج البنات التسع ، وقد شاع في مجتمعنا
الفاسد أنّ البنت لكي تجد عروساً لا بد أن تتعرى باللبس القصير !
، وتتجمل بالماكياج ! وتصفّف شعرها على أحدث خطوط الموضة !!
عشنا الفساد بأكمله .. تزيّنا .. وخرجنا بأحدث زينتنا ، وكنا فرائس لذئاب
بشريّة .. هذا بنظرة ، وذاك بكلمة .. وكل على شاكلته ..

في ذلك الوقت ، لم نكن نعرف من الإسلام سوى الأركان الخمسة فقط ،
وليتنا عملنا بها .. إلا أن ظاهرة بدأت تظهر بين الفتيات آنذاك ، الواحدة
تلو الأخرى ، إنها ظاهرة لبس الحجاب .. كنت أرى تلك الفتيات وأنا جدّ
محتارة إلى أن قررت إحدى أخواتي الثمان لبسه فلبسته .. في بادئ الأمر
رحبّت به العائلة ، ثم لم تمض أيام حتى بدأت مضايقة الأم لها !
وذلك لما تسمعه من الجيران وخالاتي بأنّ من تتحجّب لن تتزوج ! ،

وكلّهم يقول : إنها ربما ارتدت الحجاب لعاهة تريد إخفاءها ! ، فجنّ جنون
أمّي ، وبدأت في مشاكستها بكلّ ما تملك ، حتّى أصبحت تناديها ب
ـ ( المسلمة ) ! استهزاءً بها ، حتّى وصل الأمر إلى الضرب في كثير
من الأحيان ! ، أمّا أنا فأرجو الله المغفرة ، فقد كنت من أجل أن أفوز
برضى أمّي أبالغ في التجمّل والتبرّج ، فكانت تعيرها بي ،
وكنت دائماً محل تقدير وثناء ..

ومرّت سنتان أو ثلاث وأنا على هذه الحال ، وفي يوم 19 جانفي 1987م
( 1407هـ ) خرجت مع بعض زميلاتي في نزهة (!) ، وفي الطريق
مررنا بكنيسة ، وبعد مشاورات قرّرنا الدخول .. فوجدنا العديد من
النصارى يصلّون صلاتهم ( هداهم الله جميعاً ) . .خرجت وأنا أحسّ
بشيء ما يعتلج في صدري ، لم يعجبني حالي .. وهالني تمسّكهم بدينهم
المحرف ، وخشوعهم في صلاتهم ( ) . . . أشياء عدّة لا أستطيع حتّى
التعبير عنها ، وفي يوم الجمعة 21 جانفي – وهذا اليوم لا أنساه أبداً –
كنت منهمكة في غسل الأواني ، فإذ بي أسمع حديثاً كان يدور بين أخواتي
، حيث ذكرت إحداهنّ أنّها رأت البارحة في منامها أن القيامة قد قامت ،
ثم بدأت تصف ما رأته من أهوال وشدائد .. ارتجف قلبي بشدّة ..
تركت ما في يدي ودخلت عليهنّ الغرفة ، وحلفت يميناً إن هي أعطتني
حجاباً أن ألبسه غداً ، وأواظب على الصلاة ولا أتركها أبداً ..
والله شهيد على ما أقول ، فأحضرت لي أختي حجاباً ، فعقدت العزم
على لبسه وأنا على مائدة العشاء ..

قلت لأبي : أودّ أن ألبس الحجاب غداً إن شاء الله ! ..
صمت قليلاً ، ثمّ قال : موافق ، لكن بشرط .
قلت : ما هو .
قال : ألّا تنزعيه أبداً ..
فقلت : موافقة .
نظرت أمي إليّ نظرة طويلة ولم تقل شيئاً ،
لأن الكلمة الأولى والأخيرة في البيت كانت لوالدي .

لم أنم تلك الليلة ، لا أقول من شدة الفرح ، وإنّما خوفاً من الغد .. حامت
حولي وساوس الشيطان .. أسئلة كثيرة كانت تدور في مخيّلتي : لمَ تدفني
نفسك بهذا الثوب ، وأنت دائماً تحبيّن الانطلاق ، وتعشقين الجمال .
.ثيابك . .شعرك .. قدّكِ .. لم تخفين كلّ هذا ؟

نهضت باكراً ، وارتديت الحجاب .. كانت خطواتي متثاقلة ، واحدة للأمام ،
والأخرى للخلف .. الأولى تقول لي .. تقدّمي والله معك ، والثانية تقول :
لمَ تفعلين هذا ؟ وزينتك ، وجمالك .. !

استعذت بالله من الشيطان ، وخرجت .. الجميع جاؤوا يهنّؤنني على هذا
القرار .. لن أنسى أبداً ذلك اليوم ، جلّ زميلاتي جئن في أحلى لباس ،
وآخر موضة تسريحة شعر ، فبقيت أنظر حائرة في أمري ، لكن الله
عز وجل لم يتركني ، بل هيّأ لي مجموعة من الأخوات الصالحات
انتشلنني من بحر الندم والضياع إلى عالم لا حدود له ، عالم آخر ملائكي
.. فاخضرّت الحياة في وجهي وأزهرت ، ثم أنعم الله عليّ فحملت
المصحف وحفظت ما تيسّر منه ، ودخلت المسجد .. فتحت الكتب أمامي
في العقيدة والفقه والحديث والسيرة ، وحتّى الأناشيد الإسلامية .. كلام
طيب .. علمت بتحريم الغناء ، ومصافحة الأجنبيّ ، وإظهار الزينة ، فإذا
الحلال بيّن ، والحرام بيّن ، وحتّى الوالدة الكريمة بعد أن تحجّبت بناتها
التسع ، وبدأنا نُسمعها من كلام الله وكلام رسوله صلى الله عليه سلم
الشيء الكثير ، تغيّرت كثيراً ، وأصبحت الصدر الحنون لنا ولزميلاتنا
في المسجد ولله الحمد والمنّة ، أمّا موضوع الزواج ، فقد كان الأمر على
عكس ما كانت تعتقد ، فقد تزوج سبع بنات من التسع من إخوة صالحين ،
وبقيت اثنتان ، وهما على وشك الزوج إن شاء الله .

أمّا أنا فقد أخذت مكاني في المسجد عوضاً عن الشوارع والأسواق ،
والحمد لله الذي بنعمته تتمّ الصالحات ، والحمد لله الذي هدانا لهذا
وما كنّا لنهتدي لولا أن هدانا الله . .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق