الحلقة التاسعة والعشرون
أخبرنا الله سبحانه أنه « يفصل الآيات » لنا في كتابه المقروء
والمشهود لتحقيق غاية في نفوسنا نحن،
كما قال الله سبحانه: ...
{ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ يُفَصِّلُ الْآَيَاتِ لَعَلَّكُمْ بِلِقَاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ }
أليس عجيباً أن تكون هذه التفاصيل المهيبة في آيات الله الشرعية والكونية
هي من أجلنا نحن؟ بل من أجل أن ترفرف قلوبنا باليقين؟!
وأظهر الله لخليله إبراهيم - صلى الله عليه وآله وسلم - من الآيات البديعة
في ملكوت الكون حتى يكمل يقين الخليل،
كما قال الله تعالى
{ وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ
وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ }
ومدح الله سبحانه أحكامه الشرعية بالجمال والحسن،
ولكن القرآن ذاته نبه أنه لا يتمتع بكمال الفهم لحسن وجمال أحكام الله
إلا من تطهرت قلوبهم باليقين،
كما قال الله تعالى:
{ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ }
ألا يعني هذا أن من فاته إدراك جمال وحسن أحكام الشريعة
إنما كان ذلك بسبب ما فات قلبه من اليقين،
وبسبب ما زاحم اليقين في قلبه من الارتيابات والتردد؟!
ألا يعني هذا أن القلب كلما ارتفع في مدارج اليقين زادت قدرته
على مشاهدة المعالم الجمالية لمملكة أحكام الشريعة،
وكلما تكاثف ضباب الشكوك والحيرة في أجواء قلبه تعسّر عليه
رؤية جماليات الأحكام الشرعية .
الحلقة الثلاثون - الأخيرة
وجعل الله في هذا القرآن « رحمة »،
لكن الناس يتفاوتون في الانتفاع بهذه الرحمة القرآنية بحسب ما في قلوبهم
من اليقين، كما قال الله سبحانه:
{ هَذَا بَصَائِرُ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ }
فانظر .. كيف أنه كلما تعاظم اليقين في قلب العبد، تنزّلت عليه رحمات الله،
وانفتحت له رحمات القرآن؟!
وأخبرنا الله أن اليقين هو الطريق إلى أعلى وصف من أوصاف التديّن،
وهو وصف الإمامة في الدين كما قال الله سبحانه: ...
{ وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآَيَاتِنَا يُوقِنُونَ }
بل إن القرآن لم يرسم لقارئه درب اليقين فقط، وإنما أضاف طريقة التعامل
مع الشريحة التي تعاني من نقص اليقين
فنهانا القرآن أن نتأثر بإرجاف مرضى الحيرة والشكوك،
كما قال الله عز وجل:
{ فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لَا يُوقِنُونَ }
فهل كانت وعود الله لنا سبحانه في القرآن محل جزم وثقة ويقين مطلق
في قلوبنا، حاضرة في حياتنا ؟
أم هي أشبه بالإيمان البارد الفاتر وهي أشبه بالحاضر الغائب؟
والعلاقة بين وعد الله و عبودية اليقين ليست مجرد استنباط،
بل القرآن ذاته أشار إليها كما قال الله سبحانه:
{ فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لَا يُوقِنُونَ }
فهل استطعنا أن نصل لعبودية اليقين،
التي هي أعظم مراتب الدين فوق الإسلام والإيمان،
فنخرج من قلوبنا كل ذرة احتمال أو ارتياب أو تردد .
انتهت التأملات بإنتهاء شهر رمضان المبارك
ولكن لم تنتهى ولن تنتهى تأملات القرآن الكريم لأنه نبع لا ينضب
وكل عام وانتم بخير
أختكم / أمانى صلاح الدين
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق