** وهم قبيلة مشهورة، يقال لهم
ثمود وكانوا يسكنون الحجر الذي بين
الحجاز وتبوك وقد مرّ به رسول
الله صلى الله عليه وسلم وهو ذاهب إلى
تبوك بمن معه من المسلمين.وكانوا
بعد قوم عاد، وكانوا يعبدون الأصنام
فبعث الله فيهم رجلاً منهم وهو
عبد الله ورسوله: صالح عليه السلام
فدعاهم إلى عبادة الله وحده لا
شريك له، وأن يخلعوا الأصنام والأنداد
ولا يشركوا به شيئاً. فآمنت به
طائفة منهم، وكفر جمهورهم، ونالوا منه
بالمقال والفعال، وهموا بقتله،
وقتلوا الناقة التي جعلها الله حجة
عليهم
، فأخذهم الله أخذ عزيز
مقتدر.
وقد ذكر المفسرون أن ثمود اجتمعوا يوماً في ناديهم،
فجاءهم رسول الله
صالح فدعاهم إلى الله، وذكرهم وحذرهم ووعظهم وأمرهم،
فقالوا له: إن
أنت أخرجت لنا من هذه الصخرة - وأشاروا إلى صخرة هناك
- ناقة، من
صفتها كيت وكيت وذكروا أوصافاً سموها ونعتوها،
وتعنتوا فيها، وأن
تكون عشراء، طويلة، من صفتها كذا وكذا، فقال لهم
النبي صالح
عليه السلام: أرأيتم إن أجبتكم إلى ما سألتم، على
الوجه الذي طلبتم،
أتؤمنون بما جئتكم به وتصدقوني فيما أرسلت به؟ قالوا:
نعم. فأخذ
عهودهم ومواثيقهم على ذلك. ثم قام إلى مصلاه فصلى لله
عز وجل
ما قدر
له، ثم دعا ربه عز وجل أن يجيبهم إلى ما طلبوا، فأمر
الله
عز وجل
تلك الصخرة أن تنفطر عن ناقة عظيمة عشراء، على الوجه
المطلوب الذي طلبوا، أو على الصفة التي نعتوا , فلما
عاينوها كذلك،
رأوا
أمراً عظيماً، ومنظراً هائلاً، وقدرة باهرة، ودليلاً قاطعاً،
وبرهاناً
ساطعاً، فآمن كثير منهم، واستمر أكثرهم على كفرهم
وضلالهم وعنادهم
و جحدوا بهذه الآية المبهرة ، ولم يتبعوا الحق
بسببها، أي أكثرهم، فاتفق
الحال على أن تبقى هذه الناقة بين أظهرهم، ترعى حيث
شاءت من
أرضهم، وترد الماء يوماً بعد يوم، وكانت إذا وردت
الماء تشرب ماء البئر
يومها ذلك، فكانوا يرفعون حاجتهم من الماء في يومهم
لغدهم. ويقال أنهم
كانوا يشربون من لبنها كفايتهم، ولهذا
قال:
{
لَهَا شِرْبٌ وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَعْلُومٍ
}
.ولهذا قال تعالى:
{ إنا مُرْسِلُو النَّاقَةِ فِتْنَةً لَهُمْ
}
أي
اختبار لهم أيؤمنون بها أم يكفرون؟ والله أعلم بما يفعلون.
{ فَارْتَقِبْهُمْ }
أي
انتظر ما يكون من أمرهم
{ وَاصْطَبِرْ }
على أذاهم فسيأتيك الخبر على جلية.
{ وَنَبِّئْهُمْ أَنَّ الْمَاءَ قِسْمَةٌ بَيْنَهُمْ
كُلُّ شِرْبٍ مُحْتَضَرٌ }.
فلما طال عليهم هذا الحال اجتمع أمرهم واتفق رأيهم
على أن يعقروا
هذه الناقة، ليستريحوا منها ويتوفر عليهم ماؤهم، وزين
لهم الشّيْطان
أعمالهم. قال الله تعالى:
{ فَعَقَرُوا النَّاقَةَ وَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ
رَبِّهِمْ
وَقَالُوا يَا صَالِحُ ائْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ
كُنتَ مِنْ الْمُرْسَلِينَ }.
وكان الذي تولى قتلها منهم رئيسهم: قدار بن جندع،
وكانت امرأتين من
ثمود اسم إحداهما "صدوقة" وكانت ذات حسب ومال، وكانت
تحت رجل
من أسلم ففارقته، فدعت ابن عم لها يقال له "مصرع" ،
وعرضت عليه
نفسها إن هو عقر الناقة. واسم الأخرى "عنيزة" ،وكانت
عجوزاً كافرة،
لها بنات من زوجها ذؤاب بن عمرو أحد الرؤساء، فعرضت
بناتها الأربع
على قدار بن سالف، إن هو عقر الناقة فله أي بناتها
شاء، فانتدب هذان
الشابان لعقرها وسعوا في قومهم بذلك، فاستجاب لهم
سبعة آخرون
فصاروا تسعة. وسعوا في بقية القبيلة وحسنوا لهم
عقرها، فأجابوهم إلى
ذلك
وطاوعوهم في ذلك. فانطلقوا يرصدون الناقة، فلما صدرت من
وردها كمن لها "مصرع" فرماها بسهم فانتظم عظم ساقها،
وجاء النساء
يذمرن
القبيلة في قتلها، وحسرن عن وجوههن ترغيباً لهم في ذلك
فابتدرهم قدار بن سالف، فشد عليها بالسيف فكشف عن
عرقوبها فخرت
ساقطة إلى الأرض. ورغت رغاة واحدة عظيمة تحذر ولدها،
ثم طعن
في
لبتها فنحرها، وانطلق فصيلها فصعد جبلاً منيعاً ورغا
ثلاثاً.
وقد خالفوا الله ورسوله في ارتكابهم النهي الأكيد في
عقر الناقة التي
جعلها الله لهم آية و استعجلوا وقوع العذاب بهم
فاستحقوه ,و لما عقروا
الناقة كان أول من سطا عليها قدار بن سالف، لعنه
الله، فعرقبها فسقطت
إلى الأرض، ثم ابتدروها بأسيافهم يقطعونها فلما عاين
ذلك سقبها - وهو
ولدها - شرد عنهم فعلا أعلى الجبل هناك، ورغا ثلاث
مرات. فلهذا قال
لهم صالح:
{ تَمَتَّعُوا فِي دَارِكُمْ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ }
أي غير يومهم ذلك، فلم يصدقوه أيضاً في هذا الوعد
الأكيد، بل لما أمسوا
هموا بقتله وأرادوا - فيما يزعمون - أن يلحقوه
بالناقة.
{
قَالُوا تَقَاسَمُوا بِاللَّهِ لَنُبَيِّتَنَّهُ وَأَهْلَهُ
}
أي
لنكبسنه في داره مع أهله فلنقتلنه، ثم نجحدن قتله ولننكرن ذلك إن
طالبنا أولياؤه بدمه، ولهذا
قالوا:
{
ثُمَّ لَنَقُولَنَّ لِوَلِيِّهِ مَا شَهِدْنَا مَهْلِكَ أَهْلِهِ
وَإِنَّا لَصَادِقُون }
قال الله تعالى:
{ وَمَكَرُوا مَكْراً وَمَكَرْنَا مَكْراً وَهُمْ لاَ
يَشْعُرُون،
فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ
عَاقِبَةُ مَكْرِهِمْ أَنَّا دَمَّرْنَاهُمْ وَقَوْمَهُمْ
أَجْمَعِينَ،
فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً بِمَا ظَلَمُوا إِنَّ
فِي ذَلِكَ لآَيَةً لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ،
وَأَنجَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ
}
وذلك أن الله تعالى أرسل على أولئك النفر الذين قصدوا
قتل صالح حجارة
رضختهم فأهلكهم سلفاً وتعجيلاً قبل قومهم، وأصبحت
ثمود يوم الخميس
- وهو اليوم الأول من أيام النظرة - ووجوههم مصفرة،
كما أنذرهم صالح
عليه السلام. فلما أمسوا نادوا بأجمعهم: ألا قد مضى
يوم من الأجل.
ثم أصبحوا في اليوم الثاني من أيام التأجيل وهو يوم
الجمعة - ووجوههم
محمرة، فلما أمسوا نادوا: ألا قد مضى يومان من الأجل،
ثم أصبحوا في
اليوم الثالث من أيام المتاع - وهو يوم السبت -
ووجوههم مسودة، فلما
أمسوا نادوا: ألا قد مضى الأجل.فلما كان صبيحة يوم
الأحد تحنطوا
وتأهبوا وقعدوا ينتظرون ماذا يحل بهم من العذاب
والنكال والنقمة،
لا
يدرون كيف يفعل بهم؟ ولا من أي جهة يأتيهم العذاب.فلما أشرقت
الشمس جاءتهم صيحة من السماء من فوقهم، ورجفة من أسفل
منهم،
ففاضت الأرواح وزهقت النفوس، وسكنت الحركات، وخشعت
الأصوات،
وحقت الحقائق فأصبحوا في دارهم جاثمين، جثثاً لا
أرواح فيها ولا حراك
بها. قالوا ولم يبق منهم أحد إلا جارية كانت مقعدة
واسمها "كلبة" بنت
السلق - ويقال لها الذريعة - وكانت شديدة الكفر
والعداوة لصالح عليه
السلام، فلما رأت العذاب أطلقت رجلاها، فقامت تسعى
كأسرع شيء،
فأتت حياً من العرب فأخبرتهم بما رأت وما حل بقومها
واستسقتهم ماء،
فلما شربت ماتت. وخاطب صالح عليه السلام، قومه بعد
هلاكهم، وقد
أخذ في
الذهاب عن محلتهم إلى غيرها قائلاً لهم:
{ يَا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَةَ رَبِّي
وَنَصَحْتُ لَكُمْ }
أي:
جهدت في هدايتكم بكل ما أمكنني، وحرصت على ذلك بقولي وفعلي
ونيتي
.{ وَلَكِنْ لاَ تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ }.
أي: لم تكن سجاياكم تقبل الحق ولا تريده، فلهذا صرتم
إلى ما أنتم فيه من
العذاب الأليم، المستمر بكم المتصل إلى الأبد، وليس
لي فيكم حيلة، ولا لي
بالدفع عنكم يدان. والذي وجب علي من أداء الرسالة
والنصح لكم قد
فعلته، وبذلته لكم، ولكن الله يفعل ما يريد. ويقال أن
صالحاً عليه السلام
انتقل إلى حرم الله فأقام به حتى
مات.
قال تعالى :
{ وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ
صَالِحاً قَالَ
يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللّهَ مَا
لَكُم مِّنْ إِلَـهٍ غَيْرُهُ
قَدْ جَاءتْكُم بَيِّنَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ هَـذِهِ
نَاقَةُ اللّهِ لَكُمْ آيَةً فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِي أَرْضِ
اللّهِ
وَلاَ تَمَسُّوهَا بِسُوَءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ
أَلِيمٌ {73}
وَاذْكُرُواْ إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاء مِن بَعْدِ
عَادٍ وَبَوَّأَكُمْ فِي الأَرْضِ
تَتَّخِذُونَ مِن سُهُولِهَا قُصُوراً وَتَنْحِتُونَ
الْجِبَالَ بُيُوتاً
فَاذْكُرُواْ آلاء اللّهِ وَلاَ تَعْثَوْا فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ
{74}
قَالَ الْمَلأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُواْ
مِن قَوْمِهِ لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُواْ لِمَنْ آمَنَ
مِنْهُمْ
أَتَعْلَمُونَ أَنَّ صَالِحاً مُّرْسَلٌ مِّن رَّبِّهِ قَالُواْ إِنَّا بِمَا
أُرْسِلَ بِهِ مُؤْمِنُونَ {75}
قَالَ
الَّذِينَ اسْتَكْبَرُواْ إِنَّا بِالَّذِيَ آمَنتُمْ بِهِ
كَافِرُونَ {76}
فَعَقَرُواْ النَّاقَةَ
وَعَتَوْاْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ
وَقَالُواْ يَا صَالِحُ ائْتِنَا بِمَا
تَعِدُنَا إِن كُنتَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ {77}
فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُواْ فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ
{78}
فَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا
قَوْمِ لَقَدْ
أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَةَ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ
وَلَكِن لاَّ تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ
{79}
الأعراف
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق