الجمعة، 20 مارس 2015

الثـوب الخفـي



قصة أوروبية قديمة عن طفل برىء لم يمنعه اتفاق المجتمع عن قول
رأيه بصراحة مدوية.. قصة تبدأ بخياط ماكر عرض على السلطان خياطة
ثوب عجيب غريب لا يراه غير المخلصين من وزرائه والأوفياء من شعبه..
وعلى الفور أعجب السلطان بالفكرة كونه لن يلبس فقط ثوبا مميزا ،
بل وسيحصل على أداة استخباراتية تكشف عن العملاء والخونة حوله
غير أن الموعد اقترب ولم يسمع شيئا من الخياط فأرسل حاجبه ليطمئن
على ثوبه الخفي.. وحين طرق الباب فتحت زوجته وأخبرته أن زوجها
منهمك في إضافة اللمسات الأخيرة على الثوب . وحين شعر الخياط بحضور
الحاجب جلس على كرسيه وتظاهر بإمساك قماش خفي يتناقله بين يديه
ويدخل فيه إبرة وخيطا يموجهما في الهواء
ولإضفاء تأثير أقوى أخذت الزوجة تبدي ملاحظاتها على الثوب وتسأل
الحاجب عن رأيه.. وبطبيعة الحال لم ير الحاجب شيئا ولكنه خشي من عدم
امتلاكه "للولاء الكافي" فبدأ بمجاراة الزوجة والإطراء على جمال القماش
ودقة الخياطة وجمال النقشة ووو
وحين أخبر السلطان بما رأى زاد تعلقه بالثوب فأمر وزيره الأول.. الذي
سمع رأي الحاجب.. بالذهاب بنفسه ليرى الثوب ويبدي رأيه فيه.. وكما
حصل مع الحاجب خشي الوزير من تهمة الخيانة.. ناهيك عن وضع نفسه
في موضع أقل من الحاجب.. فعاد إلى السلطان مؤكدا على جمال الثوب
وكيف أصبح تحفة فنية لا تليق بغير جلالته
*******
شيئا فشيئا انتشر الخبر في بلاط السلطان فأصبح الوزراء يتسللون خفية
لرؤية الثوب ويعود كل منهم بكلمات أكثر مبالغة وإطراء- وفي داخل كل
منهم خوف من الاتهام بالخيانة لعدم رؤيته وعندما حان الوقت- لعرض
الثوب على السلطان شخصيا- حضر الجميع لسماع رأيه ومجاراته فيما
سيقول.. وبكل فخر دخل الخياط متبخترا ورافعا يديه في الهواء (وكأنه يرفع
الثوب عن الأرض) في حين أخذت زوجته تحرك يديها من الأسفل للأعلى..
وكأنها ترفع ما انسدل منه.. والشعب منهمك في التصفيق.. وبطبيعة الحال
لم ير السلطان شيئا؛ ولكن كافة العيون كانت متوجهة إليه فشك في نفسه
وكذب عينيه وقال بعد صمت طويل: جميل
وهكذا حصل الثوب على "شهادة" بالحضور والتواجد في العالم المادي..
وكل من ينكر هذه "الحقيقة" يتهم بالخيانة وعدم الولاء
*******
وفي موعد الاحتفال المقرر خرج السلطان على شرفة القصر لتحية الشعب
وهو عار تماما فحياه الشعب بالمثل وفي داخل كل منهم خوف من إخباره
-أو حتى إخبار من بجانبه- بالحقيقة.. وما فاقم لديهم حالة الشك أن وزراء
السلطان أنفسهم كانوا -بين الحين والآخر- يتصنعون ترتيب أطراف الثوب
وإزالة ما علق عليه من تراب وأوساخ
وحين رفع السلطان يديه ليتحدث صمت الجميع -وساد هدوء تام- لدرجة لم
يبق سوى صوت طفل كان يصرخ منذ البداية: ياسيدي أنت لا تلبس شيئا
على الإطلاق
*******
وكما هو واضح..
تلبس القصة ثوباً خفياً يراه كل قارئ بمنظار مختلف

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق