الثلاثاء، 29 مايو 2018

التداوي في رمضان .. بين الفقه والطب (1)


الدكتور حسان شمسي باشا

يهل علينا شهر رمضان ومع إطلالته تزدحم الصحف والمجلات
والمساجد والإذاعات بالأسئلة والأجوبة حول المفطرات من
وسائل التداوي والعلاج .

وقد أجمعت الأمة على أنه يجب على الصائم الإمساك عن الطعام
والشراب ، ولكن اختلف الفقهاء في وسائل التداوي المختلفة ،
وتباينت الآراء وكثر النقاش حول هذا الموضوع .

ولهذا فقد عقدت المنظمة الإسلامية للعلوم الطبية بالتعاون مع
منظمة الحسن الثاني للبحوث الطبية عن رمضان
ندوة في الدار البيضاء في شهر يونيو 1997(صفر 1418 )
لبحث موضوع المفطرات . كما أخذ مجمع الفقه الإسلامي في جدة -
جزى الله المسؤولين عنه خير الجزاء - على عاتقه بحث موضوع المفطرات
ومناقشته بعمق ودراية ، فعقد اجتماعا في جدة في
الفترة ما بين 28 يونيو - 3 يوليو
1997 ( 23 - 28 صفر 1418 ) وخرج منه بتوصيات محددة .

والصوم الشرعي هو إمساك وامتناع إرادي عن الطعام والشراب
والمعاشرة الجنسية من طلوع الفجر إلى غروب الشمس
لقوله تعالى :
{ فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ ۚ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّىٰ
يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ۖ ثُمَّ أَتِمُّوا
الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ }
البقرة 187 .
وفي الحديث الصحيح عن الصائم
( يضع طعامه وشهوته من أجلي )
متفق عليه .

ومن إجماع الأمة أن تناول الطعام والشراب ينافي الصوم ويفسده .
وقد اختلف الفقهاء في تحديد الجوف المقصود بأحكام الصيام .
والحقيقة أنه لم يرد في القرآن الكريم ولا في السنة المطهرة أي
نص على الجوف في موضوع الصيام .
ولكن وقع المتقدمون من الفقهاء - جزاهم الله عنا خير جزاء – في
بعض الالتباسات عندما فسروا الجوف بأنه كل ما يسمى جوفا
وإن لم يكن مكان الطعام والشراب . فاعتبروا الدماغ جوفا وما هو
مكان طعام ولا شراب ، وأن من كان برأسه مأمومة

( إصابة بالدماغ ) ووصل الدواء إلى خريطة الدماغ أفطر .
واعتبروا الإحليل والمهبل جوفا وما هي بموضع الطعام والشراب .
والفقهاء في ذلك معذورون ، فلم تكن هناك دراية كافية
بتشريح جسم الإنسان في ذلك الحين .

طرق استعمال الأدوية :

قطرات العين :

ذهب الأحناف والشافعية إلى أن قطرة العين لا تفطر ، حتى ولو
وجد طعمها في حلق الصائم . وذهب المالكية والحنابلة إلى أن
المكتحل نهارا إذا وجد طعم الكحل في حلقه فسد صومه .

ومن الوجهة التشريحية تنفتح القناة الدمعية التي تخرج من جوف
العين على العين عبر فتحة فيه . وبالتالي فإن وضع قطرة في العين
تصل إلى الأنف ومنه إلى البلعوم .
والحقيقة أن جوف العين لا يتسع لأكثر من قطرة واحدة فقط .
ولهذا يصف أطباء العين عادة وضع قطرة واحدة أو قطرتين في
العين كل 6 ساعات مثلا . والكمية التي تصل إلى البلعوم ،
إن وصلت ، كمية ضئيلة جدا . وهي بلا شك أقل بكثير مما يتبقى
في الفم بعد المضمضة أو مما يدخل في الأنف أثناء الاستنشاق .
وقد أقر الفقهاء المضمضة أثناء الصيام ولو كانت للتبرد .
ولا بأس بالاستنشاق مالم يبالغ . وينبغي أن نشير إلى أن المسواك يحتوي
على ثمان مواد كيميائية تقي الأسنان واللثة مما قد يصيبها
من أمراض . وهذه المواد تنحل باللعاب وبالتالي تدخل البلعوم .
ولم يحرم المسواك في رمضان أحد من الفقهاء ، فقد جاء في
صحيح البخاري عن عمر بن ربيعة رضي الله عنه
( رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يستاك وهو صائم ما لا
أحصي ولا أعد )

قطرات الأنف :

والحقيقة أن قطرات الأنف ليست من باب الطعام والشراب ولا يقصد
منها التغذية ولا التقوية ، وإنما هي للعلاج الموضعي للأنف ،
وينطبق عليها ما ينطبق على قطرة العين . وعلى الإنسان أن
يحتاط من وصول شيء منها إلى حلقه

قطرات الأذن :

وهي مباحة في النهار للصائم في مذاهب الفقهاء جميعا ما دامت
طبلة الأذن سليمة . ولا يمكن لأي سائل أو قطرة توضع في الأذن
الخارجية الوصول إلى البلعوم مالم يكن غشاء الطبل مثقوبا .
وحتى في تلك الحالة فإن كمية قطرة الأذن التي تصل إلى البلعوم –
إن وصلت - كمية ضئيلة جدا .

بخاخ الربو :

وفيه تستنشق مواد تحتوي على أدوية خاصة تستعمل في توسيع
القصبات الهوائية . ورغم أن جزءا ضئيلا جدا من المادة المستنشقة
قد تذهب إلى المريء أو المعدة إلا أن بعض الفقهاء المعاصرين أباحه .
ولكن مجمع الفقه الإسلامي لم يصل فيه إلى قرار .

الحقن العضلية والجلدية :

يتفق الفقهاء على أن الحقن العضلية أو تلك التي تعطى تحت
الجلد لا تفسد الصيام سواء كانت للعلاج أو للتطعيم ( اللقاحات ) .

الحقن الوريدية :

أكثر علماء العصر يفرقون بين حقن الوريد التي تؤخذ للتداوي
فيبيحونها ، وبين تلك التي تؤخذ للتغذية ( مثل محاليل الجلوكوز
وما شابهه ) فيعتبرونها مفطرة للصائم لأنها يمكن أن تغني
عن الطعام والشراب .

الأدهان والمراهم الجلدية :

لا شك أن الأدهان والمراهم واللصقات الجلدية كلها تمتص عن
طريق الجلد ، ولكن ذلك لا علاقة له بالجهاز الهضمي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق