الثلاثاء، 29 مايو 2018

الدعاء ليس صفقة بين بائع وشار (1)

السؤال

♦ الملخص:
شابٌّ لديه شكوك في كون الإسلام هو الدين الحق، وشكوك حول تعلق
الدعاء بذلك.

♦ التفاصيل:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أنا شابٌّ مسلم، وأدرس الشريعة في بلدي ولله الحمد، لكن عندي شغفٌ
بالقراءة عن الأديان؛ فقد قرأتُ عن أديان عديدة، وأنا أعتقد أن الإنسان
يجب أن يُعمل عقله في كلِّ ما يقرأ، حتى في النصوص الشرعية؛
وذلك لأنَّ آفة الإنسان وسبب تخلفه تعطيل عقله؛ لذلك فأنا دائمًا أتفكَّر
بما في القرآن والسنة من نصوص، وتأتيني بسبب إعمال عقلي
إشكالات عقلية منطقية مِن مثل الإشكالات الآتية:
قال تعالى:
{ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ * إِنْ تَدْعُوهُمْ لَا
يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ
بِشِرْكِكُمْ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ }

[فاطر: 13، 14]،
ويقول الله تعالى:
{ وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ }
[غافر: 60].

وأنا أسائل نفْسي:
كم مرة دعونا فيها الله عز وجل ولم يَستجِبْ لنا؟ وما الفرق إذًا بين
الله والأصنام؟!!
أنا لا أريد الدعاء من أجل أن أحصلَ على مال كثير، ولكن أريد الدعاء
فقط لأتأكَّد مِن صدق الأديان، فكل الأديان تدعو إلى الإيمان بالغيبيات،
وحُجَّتها ومنطقها واحد كلها، فكلما جاءت تناقشها بالعقل قالوا:
إن هذا لا مجال للعقل فيه، بل ينبغي التصديق الكامل.

أنا لا أعترض على حكمة الله وقدرته، ولستُ أيضًا أُنكر وجود
مَن خلَقَ الكون؛ فالعاقلُ سيَعترف أن هناك خالقًا ما، ولكن هذا الخالق
ما هي صفاته؟ وماذا يريد منا؟ لماذا لا يكون هذا الخالق عبارة عن
عشرة آلهة مُتعاونين، صفاتهم ليست كصفاتنا البشرية، فلا يتنازعون
ولا يتخاصمون؟ لماذا لا نفترض أشياء أُخرى غير التوحيد؟!

كل هذه الأديان تأتي بغيبيات، وتأمُر أصحابَها بإيمان غَيبي، لكنَّ الدعاء
هو الفَيصل، وهو مخُّ العبادة، وهو الذي سيَفصِل بين الحق والباطل،
ولكن المشكلة أنَّ كل الأديان تسأل آلهتها إجابة الدعاء بما فيها الإسلام،
ولكن الحقيقة أنه لا إجابة! وكما قلت: لا أريد أن يكون الدعاء وسيلة
لغِنى أو صحة أو تحقيق مصلحة شخصية لم أستَطِع الحصول عليها،
بقدر ما هو معرفة ما هو الدين الحق، فإذا كان الله الذي نعبده لا يستجيب،
فلماذا لا يكون دين الإسلام هو الآخر دينًا باطلًا؟

إنَّ كل الأديان تبرِّر لدينها وعقيدتها، فلا يوجد دين إلا وله أدلَّة
وقناعات يُدافع عن نفسه بها، والإسلام كذلك، فقد جاء في القرآن الكريم
قول الله تعالى:
{ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ * إِنْ تَدْعُوهُمْ لَا
يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ
بِشِرْكِكُمْ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ }

[فاطر: 13، 14]،
هذه الآية تحتجُّ على المشركين بأن آلهتهم لو كانت حقًّا لكانت
استجابت لدعائهم، ولكن في نفس الوقت نحن أيضًا ندعو الله عز وجل
ولا إجابة؟

ولو تأمَّلنا كم مضى من الزمن والمسلمون يدعون بالنصر على أعدائهم،
لكن لا إجابة! وإذا ذكرتَ لي أحاديث الحكمة من تأخير الدعاء،
فهذه الأحاديث موجودة بنفس النمط عند النصارى واليهود والهندوس،
فكلٌّ منهم يُبرر عدم تحقُّق نصوصهم المقدسة بطريقة مناسبة!
ألا يجب أن نفكِّر قليلًا؟!
الجواب

الحمدُ لله، والصلاةُ والسلامُ على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومَن
والاه، أما بعدُ:
فعجيب والله شأنك أيها الفَتى؛ تكتُب كل ما ورَد في رسالتك بمحْض
إرادتك، ودونما إكراه مُلجئ، وتقول في رسالتك: أنا مسلم ولله الحمدُ، وأدرس الشريعة؟!

فأيُّ شريعة تلك التي تعلَّمت منها هذا، وهل تظنُّ أن الإسلام كلمة تُقال باللسان
ولا حقيقة لها ولا موجب، ولا يَنقضها الشكُّ المتمكِّن من النفس،
ثم أنت تَعتقد أن الإنسان يجب عليه أن يُعمل عقله في كلِّ شيء،
فهل سمعتَ أنَّ عاقلًا على وجْه الأرض سوَّى بين الله والأصنام حتى تقول:
( كم مرة دعونا فيها الله عز وجل ولم يستجب لنا، فما الفرق إذًا بين
الله والأصنام؟ ).

أتظنُّ أن أبا لهب وأبا جهل وأمية بن خلف وسائر المشركين في كل
زمان ومكان إلى يوم الناس هذا كانوا يساوون بين الله والصنم؟
أما سمعتَ قول النبيِّ صلى الله عليه وسلم لأبي الحُصين وكان مشركًا:
( كم إلهًا تعبُد اليوم؟ )،
قال: سبعة: ستة في الأرض، وواحد في السماء،
قال: ( فأيهم تعد لرغبتك ورهبتك؟ )، قال: الذي في السماء؟!

ألَمْ تقرأ في القرآن الكريم كيف أن الله سبحانه وتعالى امتنَّ على عباده
بإنجائه الحائرين الواقعين في المهامِهِ البريَّة، وفي اللجَج البحرية،
إذا هاجت الرياح العاصِفة؛ لأنَّهم حينئذ يُفردون الله بالدعاء له وحده
لا شريك له؛
قال تعالى:
{ قُلْ مَنْ يُنَجِّيكُمْ مِنْ ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ تَدْعُونَهُ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً لَئِنْ
أَنْجَانَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ * قُلِ اللَّهُ يُنَجِّيكُمْ مِنْهَا وَمِنْ كُلِّ
كَرْبٍ ثُمَّ أَنْتُمْ تُشْرِكُونَ }

[الأنعام: 63، 64]،
وقوله:
{ هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ
بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُوا بِهَا جَاءَتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَاءَهُمُ الْمَوْجُ مِنْ كُلِّ
مَكَانٍ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنْجَيْتَنَا
مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ * فَلَمَّا أَنْجَاهُمْ إِذَا هُمْ يَبْغُونَ فِي
الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ }

[يونس: 22، 23]،
وقوله:
{ وَإِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلَّا إِيَّاهُ فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى
الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ وَكَانَ الْإِنْسَانُ كَفُورًا }

[الإسراء: 67]،
وقوله:
{ أَمَّنْ يَهْدِيكُمْ فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَنْ يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا
بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُون }

[النمل: 63].

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق