الخميس، 28 يونيو 2018

إصلاح عيوب الشخصية


أ. فيصل العشاري
السؤال

♦ الملخص:
شاب يريد أن يُقدِّم للناس شيئًا ينتفعون به، كما يريد أن يُطَوِّرَ شخصيته.

♦ التفاصيل:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أنا شابٌّ درستُ الشريعة الإسلامية، وكنتُ متميزًا في الجامعة، لكنني
غير راضٍ عن نفسي؛ فأنا أرى أنني لَم أُنتجْ أي شيء منذ وُجِدْتُ في
هذه الدنيا، وأرى أنَّ صاحبَ أية مهنة أو عمَل أفضل مني، وأُحاوِلُ
إقناع نفسي بأنَّ ظواهر الناس لا تَدُلُّ على أنهم راضون عن أنفسهم.

إذا بدأتُ في أيِّ عمل أكون في البداية ذا همةٍ عالية، لكن سرعان
ما تذبُل هذه الهمةُ، فأشعُر بالكسَل والعُزلة، مع أنني اجتماعي،
ومَن يتعامَل معي يُحِبُّ شخصيتي، كما أنني أُحب القراءة والاطلاع.

بحثتُ عن زوجةٍ واستغرقتُ وقتًا طويلًا حتى بدأتُ أشعُر أنَّ كل مَن
يُقابلني مِن الأهل والجيران تسألني عيونُه وابتسامته: هل وجدتَ زوجة؟!
شخصيتي متضاربة مُضطربة، فأخبروني كيف أُقوي شخصيتي؟!
أعلم أنَّ الحلَّ أولًا وآخرًا بِيَدِ الله جلَّ وعلا، لكن أودُّ منكم كلمةً لعلها
تُغَيِّر مِن نفسي.
وجزاكم الله خيرًا
الجواب

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
نشكركم على تواصلكم معنا، وثقتكم في شبكة الألوكة.
(رحلة البحث عن الذات) هي خطٌّ مفروضٌ على الإنسان، ودربٌ
مطروق لا بد مِن سلوكه، وهذا يعني أنه لا بد من أمرين:
• معرفة الطريق.
• أخذ الزاد اللازم للرحلة.

وهذه الرحلةُ العظيمة (الوصول إلى الله تعالى) كلُّ الناس يسعى إليها،
فمنهم مَن يصل إلى شاطئ الأمان، ومنهم مَن تغرق به المركبُ في
لُجة اليَمِّ،
( كل الناس يغدو؛ فبائع نفسها فمعتقها أو موبقها )؛
رواه مسلم.

تفاصيلُ هذه الرحلة العظيمة يَجهلها كثيرٌ مِن الناس، فقد يعرف
البعضُ الهدف العام، لكنه يجهل تفاصيله فيقع في حيرةٍ واضطرابٍ، والإنسانُ
يَرحل إلى الله ببدنه وروحه، ولكلٍّ منهما غذاءٌ ودواء، فالجسدُ لا يقوم
إلا بالطعام والشراب، والروحُ لا تقوم إلا بمحبة الرحمن والإكثار مِن ذِكْرِه؛
وعليه فلا بد من إصلاح أمر الدنيا مراعاةً لحال الجسد،
ولا بد مِن إصلاح أمر الآخرة مراعاةً لحال الروح.

وهذا التوازُنُ بين متطلبات الروح والجسد هو الذي يصنع الفارقَ بين
الناس في سعيهم إلى الآخرة؛
{ يَوْمَ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسَانُ مَا سَعَى * وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِمَنْ يَرَى * فَأَمَّا مَنْ طَغَى *
وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى * وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ
وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى }
[النازعات: 35 - 41].

إذًا فلا بد مِن إصلاح الخطَّينِ بالتوازي: خط الآخرة، وخط الدنيا الذي
يوصِّل إلى الله تعالى.
كل ما سبق هو مقدمةٌ لإعادة تصور قائمة أهدافك على ذينك الخطينِ،
وهنا نأتي للنظَر في وضْعِك الخاص،
ونصنع أهدافًا تتَّفق مع هذينِ الخَطَّينِ:
• أنت خريج شريعة، والمفترضُ أنك دخلتَ هذا التخصُّص كي تكتسبَ
خبرةً ومهارةً بحثيةً في مسائل الشريعة الإسلامية عمومًا، وفي
التخصُّص الدقيق خصوصًا، وعليه فالتعليمُ الجامعيُّ ما هو إلا
مقدمةٌ للانطِلاق في مسيرة العطاء، فأنتَ الآن ملكتَ المهارة والأداة،
فلا بد مِن تشييد البناء.
• إن كنت تشعُر أنك لا تزال بحاجةٍ إلى صقل مواهبك البحثيَّة، فلا تتردَّد
في التعلُّم واكتساب الخبرة خارج الجامعة، والاستفادة مِن
مراكز البُحوث والجهات الثقافية الأخرى.
• لا بد من صقل موهبتك في مجالك الذي تخصَّصتَ فيه، وهذا سيكون
مفتاحًا لِحُصول التواؤم النفسي مع العمل الذي تُمارسه، كما سيكون
مفتاحًا للحصول على وظيفة في هذا المجال كباحث أو مرشدٍ في هذا المجال.
• كما لا يمنع من البحث عن مجال آخر تحبُّه كعمل إداري في جهة معينة،
وهذا العملُ الزائد أو -الوحيد - سيكون موردَ رزق جيدًا لك تتمكن عن
طريقه مِن تحقيق أهداف أخرى؛ كالزواج والاستقرار الأسري،
بعد حصول الاستقرار الوظيفي.
• الزواج كهدفٍ أمرٌ لا بد منه لأيِّ شاب، لكن الموضوع يحتاج لنوعٍ مِن
التخطيط والترتيب، وتخطيط الزمن والوقت الذي تنوي فيه الزواج،
ثم تخطيط عملية البحث والاختيار للزوجة، ولا شك أنَّ مطلبَ الدين والخلُق
يقع على رأس هرَم المواصفات للزوجة، وهذا لا يلغي الجوانب
الأخرى المهمة كالحسَب والنسَب والمال والجمال، وهناك محاضنُ
وأماكنُ تكون مظنةَ وجود هذا النوع من النساء؛ كالأماكن المتعلقة
بالدعوة الإسلامية، ودور القرآن الكريم والأعمال الخيرية،
إضافةً إلى المعرفة الشخصية عن طريقك أو طريق أقربائك وأسرتك.
• الشعور بالانطوائية والعُزلة ربما جاء نتيجةَ الإحباط في تحقيق بعض
الأهداف، وهذا أمرٌ طبيعيٌّ ومتوقَّعٌ، والمطلوبُ هو عدم اليأس وإعادة
ضبط البوصلة ومُعايَرة الأهداف وتخطيطها مرة أخرى.
• ختمت كلامك بعبارة: (أنا أعلم أن الحل بيد الله) ونعم بالله!
وهو كذلك فعلًا؛ لذا فلا بد من مراعاة علاقتك الإيمانية بالله عز وجل والتقرُّب منه أكثر،
فمَن تقرَّب من الله ذراعًا تقرَّبَ اللهُ منه باعًا، ومَن أتاه يمشي أتاه هرولةً.
نسأل الله تعالى أن يشرحَ صدرك، وأن يُيَسِّرَ أمرك
والله الموفق

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق