الثلاثاء، 5 مارس 2019

دور الأسرة في انحراف الأولاد الأسباب والعلاج ( الجزء الثامن - 8 )

دور الأسرة في انحراف الأولاد

الأسباب والعلاج

( الجزء الثامن - 8 )


8- إنتشار البطالة في المجتمع

من العوامل الأساسية التي تؤدي إلى انحراف الولد،

إنتشار البطالة بين أفراد الأمة، وطبقات المجتمع.

فالأب الذي لـه زوجة وأولاد، ولم يتيسر لـه سبل العمل،

ولم تتأمل لـه طرائق الكسب، ولم يوجد من المال ما يسد به جوعته،

وجوعة أهله وأولاده، ويؤمن لهم حاجاتهم الضرورية ومطالبهم الحيوية،

فإن الأسرة بأفرادها ستتعرض للتشرد والضياع،

وإن الأولاد سيدرجون نحو الانحراف والإجرام،

وربما فكر رب الأسرة مع من يقوم بأمرهم من أهل وولد،

أن يحصلوا على المال عن طريق حرام، ويجمعوه من وسائل غير مشروعة،

كالسرقة والإغتصاب والرشوة.

ومعنى هذا أن المجمع حلت فيه الفوضى وأصيب بالدمار والانهيار .

وتعرف البطالة بأنها :

« الحالة التي يكون فيها الشخص قادراً على العمل،

ولكن لا يوجد العمل والأجر المناسبين »

وتشير الدراسات التي أجريت عام 1423هـ إلى أن عدد العاطلين عن العمل

في المملكة يقدر بنحو ( 600 ألف نسمة ) وأن قوة العمل

تقدر بنحو ( 70240 ألف نسمة ).

وإن معدل البطالة كتقدير أولى تبلغ 7.7%،

وإن عدد حالات المنتحرين بلغت 400 حالة لعام 1420هـ حسب إحصاءات

وزارة الداخلية، وكان من بينهم ذوو مؤهلات عليا إضافة إلى أن هناك

نسبة لا يستهان بها من المدمنين هم من المتعطلين

( الدراسة أجريت عام 1423هـ ).

وفي دراسة أخرى (1423هـ) تقول إن البطالة بدأت منذ فترة قصيرة

في المملكة إلا أنها وفقًا لدراسة مجلس القوى العاملة وصلت سريعًا

إلى 614000 مواطن لتتجاوز 14% من حجم القوى العاملة في المملكة،

وهناك آثار خطيرة للبطالة فمن الناحية الاجتماعية تورث البطالة

الفقر وتدني مستوى المعيشة وزيادة معاناة العاطل من المشكلات الاجتماعية

داخل أسرته وخارجها، والإحساس بالاغتراب عن المجتمع

بمعنى شعور الفرد بأن إمكاناته وقدراته ليست ملكًا لـه.

كما أن للبطالة آثاراً اقتصادي من أهمها إهدار الطاقة البشرية للعاطل

ونقص في الدخل الفردي ونقص في مستوى الاستهلاك

ونقص في مستوى الادخار وتدني مستوى المهارة،

وارتفاع نسبة تكلفة الإنفاق على البطالة.

كما أن البطالة آثار نفسية خطيرة منها الشعور بالإحباط والفشل

وحالات الاكتئاب والقلق القهري وفقدان احترام الذات

والتشكيك في القدرة الذاتية والانتحار وهو من أخطر الآثار النفسية

التي قد يتعرض لها العاطل كما تؤدي البطالة إلى الإدمان.

هذا ويتضح من الدراسات أن أكثر دخل العاطلين عن العمل كان حوالي

أقل من 1000 ريال شهريًا ( 40.4% )

يليهم من كان دخله من 1000 إلى أقل من 3000 ريال (38.1%)

يليهم من كان دخله من 3000 إلى 5000 ريال ومن 5000 إلى 7000 ريال

(8.3%) لكل فئة.

ويتضح من الدراسات أيضًا إلى أن غالبية جرائم العاطلين هي المسكرات

والمخدرات وتمثل 54.2% يليها السرقة والاحتيال 21.9%

يليها الجرائم الأخلاقية 13.5% وأقلها جرائم القتل والاعتداء 7.3%.

ويتضح من الدراسات أن غالبية العاطلين يفيدون أن السبب الرئيسي

لارتكاب الجريمة الحاجة للمال 46.8%.

العـــــــلاج

الإسلام بسنه مبادئ العدالة الاجتماعية ورعاية حق الفرد والمجتمع

قد عالج البطالة بأنواعها سواء كانت بطالة مضطر أو بطالة كسول،

أما علاجه لبطالة المضطر الذي لا حيلة لـه في إيجاد العمل مع رغبته

فيه وقدرته عليه فيتحقق بشيئين:

1- وجوب تكفل الدولة لـه في تأمين سبل العمل

ورد في الحديث عن أنس رضي الله عنه :

( أن رجلًا من الأنصارِ أتى النبيَّ صلى الله عليه وسلم يسألُه فقال :

أمَا في بيتِكَ شيءٌ ؟

قال : بلى حِلْسٌ نلبسُ بعضَه ونَبسطُ بعضَه

وقعبٌ نشربُ ُفيه من الماءِ

قال : ائتني بهما

قال : فأتاه بهما فأخذهما رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بيده

وقال : من يشتري هذينِ ؟

قال : رجلٌ أنا آخذهما بدرهمٍ قال من يزيد على درهمٍ؟ مرتينِ أو ثلاثًا

قال: رجلٌ أنا آخذُهما بدرهمينِ فأعطاهما إياه وأخذ الدرهمينِ

وأعطاهما الأنصاريَّ وقال :

اشترِ بأحدِهما طعامًا فانبِذْهُ إلى أهلِكَ واشترِ بالآخر قدُّومًا

فأتني به فأتاه به فشدَّ فيه رسولُ الله صلى الله عليه وسلم عودًا بيدِه

ثم قال له اذهبْ فاحتطبْ وبعْ ولا أَرَينَّكَ خمسةَ عشرَ يومًا

فذهب الرجلُ يحتطبُ ويبيعُ فجاء وقد أصاب عشرةَ دراهمَ

فاشتَرَى ببعضِها ثوبًا وببعضِها طعامًا

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :

هذا خيرٌ لكَ من أن تجيءَ المسألةُ نكتةً في وجهِكَ يومَ القيامةِ )

أخرجه أبو داود في السنن كتاب الزكاة

فالرسول صلى الله عليه وسلم لم يجبه إلى المسألة

ولكنه في الوقت نفسه لم يدعه وإنما دلـه على العمل،

فيجب على الدولة المسلمة أن توظف مواطنيها إذ استطاعت،

فإن لم تستطع وجب عليها أن تهيئهم للعمل في القطاع الخاص،

ولكن قبل هذا يجب عليها بالتعاون مع رجال الأعمال والقطاع الخاص

أن تنشئ معاهد وكليات ومراكز تدريب ولا تكتفي حث القطاع الخاص

على استقطاب الشباب، بل إجباره في بعض الأحيان لأن هذا لا يجدي

لأن القطاع الخاص يريد يدًا عاملة مدربة

كما أن من الملاحظ أنه لا يكتفى أن تجبر المؤسسات الخاصة

بتوظيف السعوديين بل لابد من متابعتهم وهل يؤدون عملهم على الوجه

المطلوب أم لا؛

لأن كثيرًا منهم لا يواظبون على عملهم ويحتجون بأن الدولة

قد وظفتهم بأمر منها فتراهم لا يأتون إلا بعض الوقت ويغيبون كثيرًا

فلابد من معاقبة أمثال هؤلاء .

2- وجوب مساعدة الدولة والمجتمع للعاطل حتى يجد سبيل العمل

يجب على الحاكم المسلم أن يساعد العاطل عن العمل بأن يعطيه مبلغاً

من المال يكفيه ويكفي أولاده حتى يجد عملاً كما هو الحال في كثير

من الدول الأوربية وبعض الدول في العالم كما يجب على المجتمع

أن يساعدهم .

ورد في الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال :

( ما آمنَ بي منْ باتَ شبْعانَ وجارُه جائعٌ إلى جنبِه وهو يعلمُ بِهِ )

أخرجه أبو يعلى في مسنده، كتاب مسند ابن عباس،

أما علاجه لبطالة الكسول الذي يكره العمل مع وجوده وقدرته عليه :

فيكون بمراقبة الدولة لـه؛

فإن شعرت به أنه قصر عن العمل وقعد عنه نصحته إلى ما فيه خيره

ومنفعته، فإن أبى ساقته بالقوة إليه، وألزمته به

فقد روى ابن الجوزي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه :

[ أنه لقى قوماً لا يعملون فقال: ما أنتم ؟

قالوا : متوكلون

فقال : كذبتم إنما المتوكل رجل ألقى حبة في الأرض ثم توكل على الله ]

أخرجه الحكيم الترمذي في نوادر الأصول في أحاديث

والذي يفهم من كلام عمر رضي الله عنه وتوجيهه أن الزكاة في الإسلام

لا تعطي إلا لسد حاجة وتأمين سبل العمل حتى لا تكون مدعاة للكسل

وسبباً للقعود والتواكل وأما إن كان العجز أو الشيخوخة أو المرض

سبباً للبطالة فعلى الدولة أن تراعي حق هؤلاء وتؤَمِّن لهم سبل العيش

الأفضل وطريق الكفالة الحق بغض النظر عن كون العاجز أو الكبير مسلماً

أو غير مسلم، ومما يدل على هذا ما ورد

أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه :

[ مر على باب قوم وعليه سائل يسأل وكان شيخاً كبيراً ضرير البصر

فضرب عضده من خلفه وقال من أي أهل الكتاب أنت ؟

فقال : يهودي

قال : فما ألجأك إلى ما أرى ؟

قال : أسأل الجزية والحاجة والسن،

فأخذه عمر إلى منزلـه فرضخ لـه بشئ ( أي أعطاه شيئاً من المنزل )

ثم أرسل إلى خازن بيت المال فقال لـه :

أنظر هذا وضرباءه فوالله ما أنصفناه، إن أكلنا شبيبته ثم نخذله عند الهرم،

إنما الصدقات للفقراء والمساكين، وهذا من مساكين أهل الكتاب ]

أخرجه ابن أبي حاتم في التفسير (6/1817)، والسيوطي في الدر المنور

هذه هي معالجة الإسلام للبطالة معالجة رحيمة وحكيمة

وعادلة وهذا يدل على أن الإسلام دين الرحمة والإنسانية والعدالة.

الخاتمـــة

1- من الأمور التي كاد يجمع عليها علماء الأخلاق والاجتماع،

ورجال التربية والتعليم أن المربي سواء كان معلماً أو أباً أو أماً

أو مرشداً ربانياً حين يبذل قصارى جهده ويشحذ غاية اهتمامه

في تنفيذ المنهج الرباني الذي أنزله الله عزوجل ، وتطبيق هذا النظام

الذي قعدت أصوله وفروعه الشريعة الإسلامية، فمن المؤكد أن الولد

ينشأ على الإيمان والتقوى ويتدرج على الفضيلة والأخلاق،

ويظهر أمام المجتمع بأفضل ما يظهر به إنسان ناضج العقل

مكتمل الخلق حسن السيرة والسلوك.

2- ضعف الوازع الديني من الأسباب الرئيسة في انحراف الأولاد

وقد تبين في ثنايا هذا البحث بأن ضعف الوازع الديني

كان سبباً في ارتكاب كثير من الجرائم والعلاج لا يمكن أن يكون ناجعاً

إلا بتربية أولادنا على العقيدة الإسلامية ومراقبة الله عزوجل.

3- تبين لنا من خلال البحث أن الولد لا يمكن أن يستقيم وينصلح أمره،

والمربي لم يأخذ بمنهج الإسلام في التربية وبنظامه في التكوين والإعداد

وقد رأينا كيف يسيء بعض الآباء والأمهات إلى أولادهم

حينما يقسون عليهم في التربية أو يكلون تربيتهم إلى الخدم والخادمات،

وما أحسن ما فعله عمر رضي الله عنه حين علم أن أباً لم يقم بحق ولده

عليه في انتقاء أمه وتحسين اسمه وتعليمه القرآن فلم يلبث إلا أن صرخ

في وجهه قائلاً :

[ جئت إليّ تشكوا عقوق ولدك وقد عققته قبل أن يعقك،

وأسأت إليه قبل أن يسيء إليك ]

فجعل ري الله عنه الأب حين أهمل تربية ولده هو المسئول الأول

عن عقوقه وانحرافه.

4- كما تبين لنا من خلال البحث كيف أن الفراغ كان سبباً رئيساً

في انحراف الأولاد، فقد تبين أن 40.1 % من المحكوم عليهم

بجرائم جنسية لديهم أوقات فراغ طويلة في اليوم تمتد من 7 إلى 12 ساعة

، وهناك 35% من المجرمين يشعرون بفراغ طويل أكثر من 12 ساعة

يومياً وبينا أن العلاج يكون بشغل فراغ الأولاد

بما ينفعهم في دنياهم وأخراهم.

5- تبين في البحث أن من العوامل الكبيرة التي تؤدي إلى انحراف الولد

رفقاء السوء والخلطة الفاسدة، ولقد ذكرت كثير من الدراسات

التي أجريت في المجتمع السعودي أن معظم مرتكبي الجرائم والانحرافات

يرتبطون بجماعات من الرفاق يميل أعضاؤها ويشيع عندهم ممارسة

الأفعال الإجرامية المحرمة والعلاج يكون بأن يراقب الآباء والأمهات

أولادهم مراقبة تامة خاصة في سن التمييز والمراهقة،

ليعرفوا من يخالطون، ويصاحبون، وإلى أين يغدون ويروحون.

6- كما تبين لنا في ثنايا البحث أن الطلاق سبب رئيسي في انحراف الأولاد

وأن نسبة الطلاق منتشرة وواضحة في المجتمع السعودي

وأن العلاج يمكن في أن يقوم كل من الزوجين بأَداء حقوقه ناحية الآخر

وأن تتخذ الاحتياطات الشرعية قبل الطلاق من الوعظ والإرشاد والهجر

في المضاجع والضرب غير المبرح وأخيراً اللجوء إلى التحكيم.

7- من العوامل الأساسية التي تؤدي إلى انحراف الولد احتداد والنزاع

واستمرار الشقاق بين الزوجين والعلاج يمكن في الاختيار على أساس الدين

والأصل والشرف والاغتراب في الزواج،

واختيار ذوات الأبكار والزواج بالمرأة الودود الولود.

8- البطالة سبب رئيس في انحراف الأولاد وقد انتشرت في مجتمعنا

انتشاراً كبيراً وعلاجها يكمن في تأمين سبل العمل للعاطلين سواء أكان ذلك

في أجهزة الدولة أم في القطاع الخاص بعد تدريبهم وتعليمهم

حتى يكونوا منتجين. أما إذا كانت البطالة بطالة كسل وخمول فينبغي

سوقه بالقوة إلى العمل وإلزامه به إذا كان محتاجاً للعمل،

فإن كان سبب البطالة العجز أو الشيخوخة أو المرض فعلى الدولة

أن ترعى حق هؤلاء وتؤمن لهم سبل العيش الأفضل.

والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم .

تم بحمد الله


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق