الأربعاء، 29 يناير 2020

تربية الأبناء.. مشقة نافعة

تربية الأبناء.. مشقة نافعة

يقتصر مفهوم التربية في أذهان بعض الناس على توفير حياة رغيدة للطفل،

وكفىوليس يَخْفى ما في هذا المفهوم من قصور، إذْ ليست التربية مجرد

إغداق الماديات على الطفل، وإنما التربية بالمفهوم العلمي والديني، تعليم

وتعويد الطفل على التصرف الحسن في مواقف الحياة المختلفة.

لذلك فالتربية عملية غير سهلة بالمرة، إذْ تتطلب من الوالدين مثابرة

مستمرة وجهداً دائباً وصبراً واسعاً لتحقيق أهداف التربية، هذا خلافاً لما

تفرضه التربية على الوالدين من الإلمام بأفضل السبل الممكنة لتربية الطفل

تربية حسنة، والأسس العلمية للنهوض بهذا العمل، وأما الأعباء المادية

فإنها أمرٌ هين عند مقارنتها بالأعباء الذهنية والنفسية والبدنية

التي يحتملها الآباء في تربية أبنائهم!

لكن وإنْ تكنْ التربية عملاً شاقاً، فمن رحمة الله -تبارك وتعالى- أنها مشقة

ممتعة نافعة ! وللتربية الحسنة ثمرات دنيوية وأخروية، منها:

1. من أعظم ثمرات تربية الأطفال اكتساب المربي لفضائل عديدة قد يتعذر

اكتسابها من غير هذا المضمار، ذلك أن تربية الأطفال تهيئ المُناخ الملائم

لاكتساب فضيلة الصبر والحِلْم وسَعَة الصدر، فالمحاولات اليومية المتكررة

لضبط النفس ومحايلة الطفل والتغاضي عن أخطائه وطول النَّفَس معه،

هي في الحقيقة تمرينات ممتازة لاكتساب الفضائل المذكورة بطريقة

غير مباشرة!

من أعظم ثمرات تربية الأطفال اكتساب المربي لفضائل عديدة قد يتعذر

اكتسابها من غير هذا المضمار

2. رغبة الوالدين في توفير قدوة حسنة لطفلهما تدفعهما إلى التخلي

عن عادات وسلوكيات مسترذلة، أو -على الأقل- غير مرغوب فيها، وإحلال

عادات أفضل مكانها، مثال ذلك تخلي كثير من الآباء عن عادة التدخين مخافة

أن يقلدهم أطفالهم في اتباعها، كما تلتزم الأمهات بأداء الصلاة في أول وقتها

تشجيعًا للأطفال على اكتساب هذا الالتزام، وهذه الأمثلة من واقع الحياة،

وأشباهها ونظائرها كثير.

3. مداعبة الطفل ومشاركته ألعابه -وهي جزء أساسي من عملية التربية-

لا تخلو من متعة وترويح عن الوالدين، وليس شيءٌ يُسَرِّي هموم أب مكدود

مثل ضحكة عالية من طفله، وليست تنكر أمٌّ أن ضمَّ طفلها وتقبيله من أعظم

مسرَّاتها في هذه الحياة.

4. فضول الطفل وأسئلته العديدة المتنوعة من أحسن مداخل إثراء ثقافة

الوالدين! فكم من أمٍّ لم تكن قد نالت حظاً يذكر من التعليم، راحتْ تدرج مع

أطفالها على مدارج العلم درجة فدرجة! وكم من مؤلف لقصص الأطفال كان

أطفاله سبباً في نبوغه في هذا الحقل من حقول الإبداع الفني، والذين

يخترعون لعب الأطفال أيضاً، يفعلون ذلك بدافع إرضاء أطفالهم

في المقام الأول.

فضول الطفل وأسئلته العديدة المتنوعة من أحسن مداخل

إثراء ثقافة الوالدين

5. عندما ينجح والدان في تربية طفلهما تربية حسنة، فإنه يكون مصدر فخر

وسرور لهما، وهذه جائزة من أعظم جوائز التربية وثمرة من أفضل ثمارها،

إذْ لا شيْءَ في الوجود يثلج صدر أبوين مثل الاحترام والتوقير والثناء الذي

يلقاهما الناس به بسبب تفوق طفلهما ونبوغه وحسن سلوكه، فالولد الصالح

مفخرة والديه في حياتهما، ودليل إحسانهما، وشاهد جهدهما ، ففي حديث

رسول الله صلى الله عليه وسلم:

( ما نَحَل والدٌ وَلَدًا مِنْ نَحَلٍ أفضلَ من أدب حسن )

[الترمذي]،

ومعنى الحديث الشريف أن أفضلَ ما يعطيه الوالد لولده أدبٌ حسن.

6. وتبقى شجرةُ التربية الحسنة مثمرةً حتى بعد ما يفارق الوالدان الدنيا،

ففي الحديث الصحيح:

( إذا مات ابنُ آدمَ انقطع عمله إلا من ثلاث:

صدقةٍ جارية أو علم يُنْتَفَعُ به أو ولدٍ صالح يدعو له ) [مسلم].

ألا تستحق التربية الحسنة - إذن - العناءَ المبذول فيها؟ إن كل محاولة

صادقة لتصحيح معاملتنا لفلذات أكبادنا هي خطوة نحو جني تلك الثمار،

وامتثال لأمر النبي صلى الله عليه وسلم:

( أَكْرِمُوا أَوْلَادَكُمْ، وَأَحْسِنُوا أَدَبَهُمْ )

[ابن ماجه].


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق