الأحد، 6 ديسمبر 2020

حب الدنيا

 حب الدنيا

جعل الله الدنيا دارًا للعبور للآخرة، ومحطة يتزود منها المسلم بأنواع

الطاعات ومختلف القربات، وجعل مكوثنا فيها مؤقتًا لا دوام فيه؛

قال عليه الصلاة والسلام:

((ما لي وللدنيا؟ ما أنا في الدنيا إلا كراكبٍ استظل تحت شجرة،

ثم راح وتركها)).

وهذه الدنيا حُلوة خَضِرة، أودع فيها ربنا من أنواع الملذات والشهوات ما

يُفتتن بها الحليم، ويقع في شباكها الجاهل بحقيقتها؛ لكي يتحقق الاختبار

والامتحان للعباد، ولكي يتبين من يريد الآخرة ممن يطلب العاجلة، فمن مال

إلى هذه الدنيا الفانية، وانغمس في شهواتها وملذاتها، واغترَّ بزخرفها

وبهرجتها - شغلته عن مطلوبه الأسمى وغايته الكبرى التي خُلق من أجلها،

وهي عبادة الله، والعمل ليوم القيامة؛ قال الله تعالى:

{ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا

وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ } [فاطر: 5]،

والسعيد من أخذ منها ما يحتاجه، وجمع فيها من الطاعات والقربات ما يبلغه

آخرته، وينقذه من العذاب؛ قال عليه الصلاة والسلام:

((خيرُ الناس من طال عمره وحسُن عمله،

وشرُّ الناس من طال عمرُه وساء عملُه)).

وعلى المسلم أن ينظر إلى من كان قبله، كيف جمع الدنيا وتقلب في نعيمها،

واغتر بزخرفها، أين هو اليوم؟ وكيف كان مصيره؟ وهل أخذها معه

في قبره؟ فهذه الدنيا لا تدوم لأحد، فلو دامت لأحد ما وصلت إلينا.

فالتكالب على الدنيا مهلك للعبد، وباب من أبواب الضياع، وصارف له عن

التفكر في الآخرة، والمتأمل في حقيقة الدنيا وسرعة انقضائها، يعلم أنها

زائلة لا تبقى لأحد، وأننا في رحيل عنها، طال البقاء بها أم قصُر، فأمرٌ أنت

مفارقه، كيف تتشبث به وتحزن على فقده؟


ونحن لا نقصد بحال من الأحوال أن يبتعد الإنسان وينقطع عن الدنيا؛ فهو

مأمور بعمارتها وبنائها، وإنما حديثنا عن الانغماس فيها والتشبث بها، كأنه

خُلق من أجل البقاء بها؛ فلا يهمه ما كسب فيها وإن كان من الحرام

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق