الاثنين، 15 مارس 2021

مقاطع قرآنية متشابهة

 

مقاطع قرآنية متشابهة

للدكتور فاضل السامرائي

من المقاطع القرآنية المتشابهة في القرآن الكريم نقرأ الآيتين التاليتين :
الأولى : قوله تعالى :

{ كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ قَوْمًا كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ }
(آل عمران:86) .

الثانية : قوله عز وجل :
{ يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ مَا قَالُوا وَلَقَدْ قَالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلَامِهِمْ }
(التوبة:74) .

فهاتان الآيتان اتفقتا في أن المذكورين فيهما قد وقع منهما كفر بعد
إسلام، فلِمَ عبر عنه في آية آل عمران بـ (الإيمان)
وفى آية التوبة بـ(الإسلام) ؟

أجاب العلماء عن ذلك، فقالوا: إن اختلاف حال من عنى بهما في كل آية،
استدعى التعبير بـ(الإيمان) في آية آل عمران، والتعبير بـ(الإسلام)
في آية التوبة.

وقد ذكر المفسرون أن آية آل عمران نزلت في الحارث بن سويد
الأنصاري، وكان قد أسلم، ثم ارتد، ولحق بالكفار، ثم ندم، فأرسل إلى
قومه ليسألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم: هل له من توبة؟ فسألوا،
فنزلت الآية، فكتبوا بها إليه، فأسلم، وحَسُن إسلامه، ولم يكن في إسلامه
أولاً من عُرِفَ بنفاق ، و لا أنه أبطن خلاف ما ظهر منه من إسلام، فكانت
حاله حال إيمان و تصديق صحيح ، لم يظهر خلافه، وذلك هو الإيمان ،
فناسب حاله وصفه بـ(الإيمان) و هو التصديق بالقلب .

أما آية التوبة فنزلت في الجُلاس بن سويد بن الصامت حين قال في غزوة
تبوك: لئن كان ما يقول محمد حقاً، لنحن شر من الحمر، فبلغ ذلك رسولَ
الله صلى الله عليه وسلم، فاستدعاه، فحلف ما قال، وكان منافقاً معروف
النفاق، يتظاهر بالإسلام، ويبطن خلافه، فأنزل الله في قضيته:

{ يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ مَا قَالُوا وَلَقَدْ قَالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلَامِهِمْ }

فقيل هنا: {بعد إسلامهم} مناسبة للحال؛ إذ الإسلام يقع في الغالب على
الانقياد في الظاهر، وقد لا يكون المتصف به مصدقاً بقلبه، كما قال تعالى:

{قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا ۖ قُل لَّمْ تُؤْمِنُوا وَلَٰكِن قُولُوا أَسْلَمْنَا
وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ} (الحجرات:14) .

فاختصاص كل آية منها بالوصف الوارد فيها بيِّنٌ؛ لاختلاف الحالين ،
و في كل من السببين قصة ذكرها المفسرون وأهل السير. وقد ذكروا أن
الجلاس أسلم بعد ذلك ، و حسن إسلامه .

ولا بأس أن نشير هنا إلى أن ما ذُكِرَ في سبب نزول كل آية من هاتين
الآيتين، إنما هو قول من قولين ذُكِرَا في سبب نزول كلٍّ منهما، وقد توقف
الطبري في ترجيح أحدهما .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق