الجمعة، 12 مارس 2021

موت الفجأة

 موت الفجأة

من أقدار الله التي يقضي بها في عباده، بأن يصيب الموتُ العبدَ مفاجأة

من غير إمهال ولا إخطار، وإنما هجوماً تنسل به الروح من غير معاناة

سكرات الموت ومقدماته، ويحتمل أن يكون خيراً، ويحتمل أن يكون شراً،

وذلك بحسب اختلاف حال المتوفى، وما له عند الله عز وجل.



فإذا كان المتوفَّى من أهل الصلاح والخير، وله عند الله من الحسنات

والأعمال الصالحة ما يُرجَى أن تكون نورا بين يديه يوم القيامة، فجميع

صور الموت بالنسبة له من الخير، سواء موت الفجأة، أو بعد معاناة سكرات

الموت.



موت الفجأة رحمة وتخفيف وعفو من رب العباد، فلا يجد من ألم الموت

وشدة سكراته ومعاناة مرضه شيئا يذكر، وإن وقع له ذلك ولم يكن موته

فجأة كان تكفيرا لسيئاته، ورفعة لدرجاته عند الله، وذلك تصديق لما أخبر

النبي صلى الله عليه وسلم أن أمر المؤمن كله له خير، وأن موت المؤمن راحة له

من نصب الدنيا وعذابها، إلى نعيم الآخرة.



أما إذا كان المتوفَّى من المقصرين أو الفسقة الظلمة أو الكفرة؛ فموت الفجأة

بالنسبة له نقمة وغضب، إذ عوجل بالموت قبل التوبة، ولم يمهل كي

يستدرك ما مضى من تفريطه وتقصيره، فأُخِذَ أخذةَ انتقام وغضب

كما قال النبي صلى الله عليه وسلم:



(مَوْتُ الْفَجْأَةِ أَخْذَةُ أَسَفٍ) رواه أبو داود.



ولما كان الجزم بصلاح النفس أو تقصيرها من الأمور العسرة، وتتفاوت فيها

القلوب، وتتنازعها أسباب الورع والخوف أو الثبات واليقين؛ فإن في الآثار

عن السلف بعض الاختلاف في نظرتهم لموت الفجأة، فمَن غَلَّبَ جانب

الخوف من الله، وظنَّ في نفسه التقصير، كان يستعيذ من موت الفجأة،

ويرجو أن يكفر الله خطاياه بمعالجة سكرات الموت، ومَن غَلَّب جانب

الرجاء، وسعة رحمة الله، رأى في موت الفجأة فرجاً ورحمة وعفواً

من الله عز وجل.



قد يبدو ظاهر كلام السلف عن موت الفجأة متعارضاً، لكنه في الحقيقة ليس

اختلاف تعارض، وإنما اختلاف تنوع. عن عبد الله بن مسعود وعائشة

رضي الله عنهما قالا:

"أسف على الفاجر وراحة للمؤمن"، يعني الفجأة.



وعن تميم بن سلمة، قال: مات منا رجل بغتة، فقال رجل من أصحاب

النبي صلى الله عليه وسلم:

أخذة غضب. فذكرته لإبراهيم -وقل ما كنا نذكر لإبراهيم حديثا

إلا وجدنا عنده فيه- فقال: كانوا يكرهون أخذة كأخذة الأسف.



. لم يصح حديث مرفوع سوى: (موت الفجأة أخذة أسف)، مع أن بعض أهل

العلم تكلم فيه؛ فالإمام البخاري رحمه الله أشار بترجمته إلى أنه

في إسناده مقالاً.

. لم يصح حديث مدحاً أو ذماً بموت الفجأة، أو أن النبي صلى الله عليه وسلم

كان يستعيذ منها.



. لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم دعاء خاص يحفظ من موت الفجأة،

وكل ما ينشر هو كذب موضوع لا أصل له في كتب السنة.



والأولى أن يدعو الإنسان بما كان النبي صلى الله عليه وسلم يدعو به؛

عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: كَانَ مِنْ دُعَاءِ رَسُولِ اللَّهِ

صلى الله عليه وسلم:



(اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ زَوَالِ نِعْمَتِكَ، وَتَحَوُّلِ عَافِيَتِكَ،

وَفُجَاءَةِ نِقْمَتِكَ، وَجَمِيعِ سَخَطِكَ).



موت الفجأة صورة من صور الموت التي وجدت قديماً، وزاد انتشارها حديثاً

بسبب حوادث السير المعروفة اليوم، والعدوان على الشعوب والأفراد بآلات

القتل الحديثة الفاتكة، وقد جاء في بعض الآثار والأحاديث الصحيحة أن

انتشار موت الفجأة من علامات الساعة، يمكن الاطلاع عليها في كتاب

"إتحاف الجماعة بما جاء في الفتن والملاحم وأشراط الساعة"

للشيخ حمود التويجري.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق