الاثنين، 15 نوفمبر 2021

النجاة وأسبابها

النجاة وأسبابها

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد،
وعلى آله وصحبه أجمعين؛ أما بعد:
فإن الإنسان الكيِّس العاقل الفطِن الموفَّق يبحث عن أسباب النجاة الدينية
والدنيوية؛ ليسلكها ويشق طريقها للوصول إلى غايته وهدفه المراد
والمنشود؛ وهو طاعة الرحمن والفوز بالجنان، والبعد عن النيران، ولقد
سُئل نبينا محمد صلى الله تعالى عليه وسلم عن النجاة، فبيَّن النبي
صلى الله عليه وسلم أسبابها وسبلها وطرقها، واختصرها في ثلاثة
أمور، ولعل هذا من جوامع كلمه، وهي الكلمات القلائل التي تحمل كثيرًا
من المعاني والدلائل؛ ففي الحديث عن عقبة بن عامر رضي الله
تعالى عنه قال:

((قلت: يا رسول الله، ما النجاة؟ قال: أمسِكْ عليك لسانك، ولْيَسَعْكَ بيتُك،
وابكِ على خطيئتك))؛ [أخرجه الترمذي (٢٤٠٦)
بإسناد حسن، وصححه الألباني في صحيح الترمذي (٢٤٠٦)].

ويدل هذا الحديث الصحيح الصريح على الحرص الشديد لدى الصحابة
الكرام رضي الله تعالى عنهم على تحقيق أسباب الفلاح والنجاة في الدنيا
والآخرة، فكان النبي صلى الله تعالى عليه وسلم - وهو المعلم والمربي –
يدلُّهم ويرشدهم ويوجههم إلى طرق الصلاح والفلاح والخير والنجاة،
وفي هذا الحديث يسأل عقبة بن عامر رضي الله تعالى عنه النبي
صلى الله تعالى عليه وسلم عن أسباب النجاة في الدنيا والآخرة، وطرق
تحصيلها وتحقيقها، لينجوَ العبد بنفسه، فأخبره النبي
صلى الله عليه وسلم بذلك، فقال:

((أمسك عليك لسانك)): أي: احبس لسانك وكفَّه، واحفظه عن أقوال
الشر، والتلفظ بألفاظ السوء والنطق بها، فالعبد مراقب على كل ألفاظه؛
كما قال الله تعالى:
{ مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ }
[ق: 18]،

وهذا ما بيَّنه نبينا محمد صلى الله عليه وسلم في حديثه الصحيح لأمته؛
ليكون منهاجًا نبويًّا، وضابطًا ومعيارًا يُوزَن به الكلام قبل صدوره من
المتكلم؛ ففي الحديث عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أن النبي
صلى الله تعالى عليه وسلم قال:
((إن العبد ليتكلم بالكلمة من رضوان الله، لا يلقي لها بالًا، يرفعه الله بها
درجات، وإن العبد ليتكلم بالكلمة من سخط الله، لا يلقي لها بالًا، يهوي بها
في جهنم))؛ [صحيح البخاري (٦٤٧٨)].

وقوله: ((وليسعك بيتك)):
أي: الزم بيتك، واشتغل بطاعة ربك جل وعلا في بيتك، وخاصة عند
وقوع البلايا والفتن، واحرص على عبادة الخلوات، وارضَ بما قدر الله
تعالى لك من مأوًى وسكن تسكن فيه وإليه ويؤويك، وانظر إلى من هو
أعلى منك في أمر الدين، وإلى من هو أدنى منك في أمر الدنيا؛ لئلا
تزدريَ وتحتقر نعمة الله جل وعلا عليك، وهذا أسلم لقلب العبد وإيمانه؛
ففي الحديث عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله
تعالى عليه وسلم قال:
((انظروا إلى مَن أسفل منكم، ولا تنظروا إلى مَن هو فوقكم،
فهو أجدر ألَّا تزدروا نعمة الله، قال أبو معاوية: عليكم))؛
[رواه مسلم (٢٩٦٣)]،

وفي رواية عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله تعالى
عليه وسلم قال:
((إذا نظر أحدكم إلى مَن فُضِّل عليه في المال والخَلْق،
فلينظر إلى مَن هو أسفل منه))؛
[أخرجه البخاري (٦٤٩٠) واللفظ له، ومسلم (٢٩٦٣)].

والقناعة من أجلِّ الصفات التي يتصف بها المؤمنون، وهي علامة على
الرضا بقضاء الله تعالى وقدره؛ ما يسهل ويهون على الإنسان
منغصات وصعوبات الحياة.

وقوله: ((وابكِ على خطيئتك)): أي: اندم أيها العبد على ارتكاب الخطايا
والذنوب، ولتدمع عيناك أمام غفار الذنوب، الرحمن الرحيم بعباده،
اللطيف الودود بخلقه، فكل بني آدم خطَّاء، ومعرض للذنوب والزلات،
فإذا أذنب استغفر، وإذا أخطأ رجع وتاب وأناب لربه رب الأرباب، فرحمته
سبحانه وسعت كل شيء؛ قال الله تعالى:
{ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ }
[الأعراف: 156].

ومن كريم رحمته ولطفه أنه يفرح بتوبة العبد التائب،
وهذا من عظيم جوده وإحسانه بخلقه جل وعلا.

لذا؛ فإن الواجب المتحتم على العبد أن يعمل على إصلاح نفسه وتزكيتها
وتهذيبها، وأن يحرص كل الحرص على معرفة أسباب النجاة والفلاح
في الدنيا والآخرة؛ ليسلكها ويمضي في طريقها؛ فهي التي توصله
إلى الفوز بالجنات ورفعة الدرجات عند رب البريات سبحانه وتعالى.

هذا ما تيسر إيراده، نسأل الله تعالى أن يجعلنا ووالدينا من الناجين
والفائزين بالفردوس الأعلى في الجنة، وأن يجعل ما كتبناه من العلم
النافع والعمل الصالح الذي نرجو بركته وخيره في ميزاننا،
والحمد لله رب العالمين.

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق