السبت، 21 مايو 2022

اللغة العربية وفُرص الهداية

اللغة العربية وفُرص الهداية

أليس في كون القرآن باللغة العربية فيه تقليل من فرص

غير العرب في التعرض للهداية؟


ج/ الحمد لله وبعد،،

أصل هذا السؤال مبني على أن الناس مؤاخذون على ترك الحجة دون تمييز

بينهم، وهذا غير دقيق، بل الجزاء في الشريعة منوط بمرتبة الإمكان.


وهذه المسألة أحد فروع الأصل العظيم الذي ينتظم الشريعة كلها وهو تبعية

الجزاء للقدرة والعجز، أو قاعدة القدرة والإمكان، أو الوسع

والاستطاعة، بحسب ألفاظ القرآن.


والكتب السماوية كلها لا تنزل إلا بلغة واحدة كما قال الله

{وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ}.


وقد أنزل الله هذا القرآن العظيم بلغة العرب كما قال الله

{وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ قُرْآنًا عَرَبِيًّا}


وجعله للناس عامة كما قال الله

{ تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا}


ولكن الله عدل حكيم سبحانه، فالجزاء بحسب القدرة، ومن موارد القدرة

العلم، وعليه فالجزاء تابع للعلم المقدور والمعجوز عنه.



بل الجزاء يراعى فيه قوة الباعث والمانع، ولذلك غلظ الله عقوبة من ضعفت

عنده شهوة المعصية أو قوي عنده مانع المعصية، كما في صحيح مسلم

(ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم: شيخ زان،

وملك كذاب، وعائل مستكبر).


وهكذا فكما أن عربية القرآن أيسر للعالم بلغة العرب في تلاوته وفهمه فإن

جزاءه في الإعراض عنه يكون أشد من جزاء من عجز عن إدراك كمال

الحجة لعائق اللغة لأن قدرة الأول أتم، وهذا مثل أن معصية العالم أشد

من معصية الجاهل.


ونظيره أيضاً أن من عصى أدلة وآيات متتابعة متواطئة أغلظ ممن عصى

دليلاً واحداً، ولذلك كان من أسباب غلظ كفر فرعون عتوه عن الآيات

المتتابعة كما قال الله

{ وَمَا نُرِيهِمْ مِنْ آيَةٍ إِلَّا هِيَ أَكْبَرُ مِنْ أُخْتِهَا}.


والتفاوت في إدراك الحجة في القرآن لا يقتصر على اللغة فقط، بل أيضاً على

قوة الفهم وضعف المانع وتيسر طرق العلم، وكلها معتبرة في الجزاء

على قاعدة الشارع العامة.


قال الإمام ابن تيمية في النبوات (ولا يجب على أهل الضعف والعجز

من الإيمان، ما يجب على أهل القوة والقدرة في العقول والأبدان).


ولا يقتصر الأمر على هذا فقط، بل إن حجة الشارع نفسها تتفاوت زمانياً

بحسب ظهور العلم بآثار الرسالة وضعفه، كما قال الإمام ابن تيمية

في نص بديع:


(والحجة على العباد إنما تقوم بشيئين:

بشرط التمكن من العلم بما أنزل الله، والقدرة على العمل به.

فأما العاجز عن العلم كالمجنون، أو العاجز عن العمل؛ فلا أمر عليه ولا نهي،

وإذا انقطع العلم ببعض الدين أو حصل العجز عن بعضه: كان ذلك في حق

العاجز عن العلم أو العمل بقوله كمن انقطع عن العلم بجميع الدين

أو عجز عن جميعه كالجنون مثلا،


وهذه أوقات الفترات فإذا حصل من يقوم بالدين من العلماء أو الأمراء

أو مجموعهما كان بيانه لما جاء به الرسول شيئاً فشيئاً بمنزلة بيان الرسول

لما بعث به شيئاً فشيئاً، ومعلوم أن الرسول لا يبلغ إلا ما أمكن علمه

والعمل به، ولم تأت الشريعة جملة).


وهذه نظائر المقصود بها بيان أن القدرة اللغوية والعجز اللغوي

معتبر في الجزاء بحسبه.


مع التنبيه طبعاً إلى أن هذا القرآن له أنوار وآثار هي من آياته

حتى أن غير العربي يشعر بالسكينة حين تلاوة آياته.


وقد آمن بهذا الكتاب أمم عظيمة لا يحصيها إلا الله لها من الألسنة واللغات

ما شاء الله، بل وحفظته نصاً، وكُتِب له من التفاسير والترجمات

بلغات الأمم ثروة علمية عظيمة.


فالحجة بكتاب الله قائمة، والجزاء فيها على كل أحد بحسب

قدر قيامها عليه، علماً وعملاً.

والله أعلم

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق