السبت، 11 يونيو 2022

طابع المسلمين الإيثار، فاحذر الأنانية

 

طابع المسلمين الإيثار، فاحذر الأنانية


إياك و الأنانية وحبّ الذات المبالغ فيه، فطابع المسلمين الإيثار والجود والعطاء.
﴿وَٱلَّذِینَ تَبَوَّءُو ٱلدَّارَ وَٱلۡإِیمَـٰنَ مِن قَبۡلِهِمۡ یُحِبُّونَ مَنۡ هَاجَرَ إِلَیۡهِمۡ وَلَا یَجِدُونَ فِی صُدُورِهِمۡ حَاجَةࣰ مِّمَّاۤ أُوتُوا۟ وَیُؤۡثِرُونَ عَلَىٰۤ أَنفُسِهِمۡ وَلَوۡ كَانَ بِهِمۡ خَصَاصَةࣱۚ وَمَن یُوقَ شُحَّ نَفۡسِهِۦ فَأُو۟لَـٰۤىِٕكَ هُمُ ٱلۡمُفۡلِحُونَ﴾ [الحشر ٩]
وبين أنصار وهم الأوس والخزرج الذين آمنوا بالله ورسوله طوعا ومحبة واختيارا، وآووا رسول الله ﷺ، ومنعوه من الأحمر والأسود، وتبوأوا دار الهجرة والإيمان حتى صارت موئلا ومرجعا يرجع إليه المؤمنون، ويلجأ إليه المهاجرون، ويسكن بحماه المسلمون إذ كانت البلدان كلها بلدان حرب وشرك وشر، فلم يزل أنصار الدين تأوي إلى الأنصار، حتى انتشر الإسلام وقوي، وجعل يزيد شيئا شيئا فشيئا، وينمو قليلا قليلا، حتى فتحوا القلوب بالعلم والإيمان والقرآن، والبلدان بالسيف والسنان.
الذين من جملة أوصافهم الجميلة أنهم ﴿يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ﴾ وهذا لمحبتهم لله ولرسوله، أحبوا أحبابه، وأحبوا من نصر دينه.
﴿وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا﴾ أي: لا يحسدون المهاجرين على ما آتاهم الله من فضله وخصهم به من الفضائل والمناقب التي هم أهلها، وهذا يدل على سلامة صدورهم، وانتفاء الغل والحقد والحسد عنها.
ويدل ذلك على أن المهاجرين، أفضل من الأنصار، لأن الله قدمهم بالذكر، وأخبر أن الأنصار لا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا، فدل على أن الله تعالى آتاهم ما لم يؤت الأنصار ولا غيرهم، ولأنهم جمعوا بين النصرة والهجرة.
وقوله: ﴿وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ﴾ أي: ومن أوصاف الأنصار التي فاقوا بها غيرهم، وتميزوا بها على من سواهم، الإيثار، وهو أكمل أنواع الجود، وهو الإيثار بمحاب النفس من الأموال وغيرها، وبذلها للغير مع الحاجة إليها، بل مع الضرورة والخصاصة، وهذا لا يكون إلا من خلق زكي، ومحبة لله تعالى مقدمة على محبة شهوات النفس ولذاتها، ومن ذلك قصة الأنصاري الذي نزلت الآية بسببه، حين آثر ضيفه بطعامه وطعام أهله وأولاده وباتوا جياعا، والإيثار عكس الأثرة، فالإيثار محمود، والأثرة مذمومة، لأنها من خصال البخل والشح، ومن رزق الإيثار فقد وقي شح نفسه ﴿وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ ووقاية شح النفس، يشمل وقايتها الشح، في جميع ما أمر به، فإنه إذا وقي العبد شح نفسه، سمحت نفسه بأوامر الله ورسوله، ففعلها طائعا منقادا، منشرحا بها صدره، وسمحت نفسه بترك ما نهى الله عنه، وإن كان محبوبا للنفس، تدعو إليه، وتطلع إليه، وسمحت نفسه ببذل الأموال في سبيل الله وابتغاء مرضاته، وبذلك يحصل الفلاح والفوز، بخلاف من لم يوق شح نفسه، بل ابتلي بالشح بالخير، الذي هو أصل الشر ومادته، فهذان الصنفان، الفاضلان الزكيان هم الصحابة الكرام والأئمة الأعلام، الذين حازوا من السوابق والفضائل والمناقب ما سبقوا به من بعدهم، وأدركوا به من قبلهم، فصاروا أعيان المؤمنين، وسادات المسلمين، وقادات المتقين.المصدر:
(وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا)
أي: تذلَّلوا لله تعالى، واخضَعوا له بطاعتِه سبحانه، وأَخلِصوا العبادةَ له وحْدَه، دون أنْ تُساووا بينه وبين غيرِه فيما له من حقوقٍ على عباده
ولَمَّا أمَر اللهُ تعالى بعبادته، والقيام بحقِّه، أمَر بالقيام بحقوقِ العبادِ الأقربِ فالأقرب، فقال:
(وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا)
أي: أحسِنوا إلى الوالدَيْنِ، بالقولِ الكريمِ، والخطاب اللَّطيفِ، وطاعةِ أمرِهما، واجتنابِ نهيهما، وبغيرِ ذلك من أنواع البِرِّ.
(وَبِذِي الْقُرْبَى)
أي: وأحسِنوا إلى أقاربِكم.
(وَالْيَتَامَى)
أي: وأحسِنوا إلى اليتامى (وهم الَّذين فقَدوا آباءَهم ممن دون سنِّ البلوغِ).
(وَالْمَسَاكِينِ)
أي: وأحسِنوا كذلك إلى ذَوي الحاجاتِ، الَّذين لا يَجِدون ما يقومُ بكِفايتِهم.
(وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى)
أي: وأحسِنوا إلى جارِكم الَّذي بينكم وبينه قَرابةٌ.
(وَالْجَارِ الْجُنُبِ)
أي: وأحسِنوا كذلك إلى جارِكم الَّذي ليس بينكم وبينه قرابةٌ.
(وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ)
أي: وأحسِنوا صُحبةَ مَن يصحَبُكم ويُرافِقُكم؛ كالرَّفيقِ في السَّفرِ، وكالزَّوجة.
(وَابْنِ السَّبِيلِ)
أي: وأحسِنوا إلى المسافرِ، الَّذي يمرُّ عليكم مجتازًا .
(وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ)
أي: وأحسِنوا إلى ما تملِكون مِن البشر (وهم الرَّقيق) .
(إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا)
أي: إنَّ الله تعالى لا يحبُّ مَن كان ذا خُيَلاءَ، معجَبًا بنفسِه متكبِّرًا على الخَلْق، فلا يقوم بما أوجَبه اللهُ تعالى عليه من حقوقٍ، فَخُور بقولِه، فيُثني على نفسِه، ويمدَحُها على وجهِ الفخرِ والبطَرِ على عباد اللهِ تعالى بما أعطاه من النِّعم.
(الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ)
أي: إنَّ اللهَ تعالى لا يحبُّ المختالَ الفخورَ الَّذي يُمسِك مالَه عن الإنفاق فيما أمَره الله تعالى به؛ كالإحسانِ إلى الوالدَيْنِ، والأقاربِ واليتامى والمساكين، والجارِ ذي القربى، والجارِ الجُنُب، والصَّاحبِ بالجَنْبِ، وابنِ السَّبيل، وما ملَكتِ الأيمانُ، ولا يدفعون حقَّ الله فيها، ويأمُرون النَّاسَ بالبخلِ أيضًا بأقوالِهم وأفعالِهم، ومِن البُخلِ كذلك: البُخلُ بالعِلم.
(وَيَكْتُمُونَ مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ)
أي: إنَّ البَخيلَ بالمالِ يُخفِي عن النَّاسِ ما لَدَيه من أموالٍ، فلا يُظهِر أثَرَ نِعمةِ الله تعالى عليه، ولا تَبِينُ في أكلِه ولا في ملبَسِه، ولا في غيرِهما؛ لأجل ألَّا يطلُبَ أحدٌ مالًا منهم، ولا يَلومهم أحدٌ إذا بَخِلوا، ويُخفي كذلك ما لَدَيه من عِلمٍ، فلا يُظهِرُه للنَّاس ليَسترشِدوا به، ومِن ذلك: إخفاءُ اليهودِ لصفةِ محمَّدٍ صلَّى اللهُ عليه وأمْرِ بَعثتِه.
(وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا)
أي: إنَّ هؤلاء الكفَّارَ الَّذين يبخَلون ويأمُرون النَّاسَ بالبُخل، ويكتمون ما آتاهم اللهُ تعالى من فضلِه، قد هيَّأ اللهُ عزَّ وجلَّ لهم ولكلِّ كافرٍ عقابًا مُذلًّا مخزيًا، جزاءً على كفرِهم واستكبارِهم على أداء حقوقِ الله تعالى وحقوقِ عباده.
﴿وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ﴾ من زكاة وصدقة
﴿لِلسَّائِلِ﴾ الذي يتعرض للسؤال ﴿وَالْمَحْرُومِ﴾ وهو المسكين الذي لا يسأل الناس فيعطوه، ولا يفطن له فيتصدق عليه.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق