لما حضرت الوفاة أبو الفرج " ابن الجوزي" نادى على ابنه
فقال له : يا بني كم تقدر أعمار الأمة المحمدية ؟
فقال : ستين سنة يا أبت.
فقال: يا بني نصفها في النوم يذهب، فكم يبقى من عمر الإنسان ؟
فقال : له ثلاثين سنة يا أبت.
فقال له : وخمسة عشر في الصبا، فكم يبقى ؟
فقال له: خمسة عشر .
فقال : يا بني وعشرة أعوام في أعماله اليومية وسفر وذهاب وإياب
وطعام وما إلى ذلك، فكم يبقى من عمر الإنسان ؟
فقال له: خمس سنوات .
فقال له : يا بني كم تخرج عبادة لله من هذه الخمس ؟
فقال : ثلاث سنوات أو أقل من ذلك.
فقال له: يا بني لو تفحصت هذه العبادة لوجدت أن هذه العبادة لم
تكن على السُنُة وتلك فيها نقص وهذه فيها رياء وبعضها فيها غفلة ،
فكم يخلص لله من هذه الثلاث ؟
فقال له: لم يبقى إلا سنة أو اقل من ذلك .
فقال :
[ له يا بني أتريد أن تشتري النعيم الخالد في الجنة بهذه السنة ؟
ولو قلت أن الخلود في الجنة ألفي ألف عام لكنت مقصر
ولو قلت أن الخلود في الجنة ألف ألف عام لكنت مقصر
ومن تأمل بعين الفكر دوام البقاء في الجنة في صفاء بلا كدر،
ولذات بلا انقطاع، وبلوغ كل مطلوب للنفس، والزيادة مما لاعين رأت،
ولا أذن سمعت، ولاخطر على قلب بشر، من غير تغيير ولازوال،
إذ لايقال ألف ألف سنه ولامائة ألف ألف، بل ولو أن الإنسان عد ألوف
ألوف السنين لاينقضي عده وكان له نهاية، وبقاء الآخرة لانفاد له.
إلا أنه لايحصل ذلك إلابنقد هذا العمر.
وما مقدار عمر غايته مائة سنة منها خمسة عشر صبوة جهل،
وثلاثون بعد السبعين- إن حصلت- ضعف وعجز؟
والتوسط نصفه نوم، وبعضه زمان أكل وشرب وكسب،
والمنتحل منه للعبادات يسير
أفلا يُشترى ذلك الدائم بهذا القليل؟
إن الإعراض عن الشروع في هذا البيع والشراء لغبن فاحش في العقل،
وخلل داخل في الإيمان بالوعد ]
من كتاب صيد الخاطر
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق