الاثنين، 30 يناير 2017

مستودع الأخلاق والمشاعر


إن قلب المرء هو الذي يتحكم في أخلاقه ويكظم انفعالاته ويضبط سلوكه
ويهذِّب الشارد من طباعه ، وهل تسكن أخلاق الأمانة والوفاء والصبر
والحلم والرحمة والعفو والصدق والعدل بيتا غير القلب؟!
 
 ولذا قال الأحنف بن قيس :
ولربما ضحك الحليم من الأذى ** وفؤاده من حرِّه يتأوَّه
ولربما شكل الحليم لسانه ** حذر الجواب وإنه لمُفوَّه
 
فحُسْن الخلق من حياة القلب ، وسوء الخلق من مرض القلب أو موته ،
وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم أحسن الناس خلقا ،
ولذا فقد كان قلبه أعمر القلوب بالحياة حتى أيقظ قلوب
 كل من كان حوله في حياته وبعد رحيله.
 
قال أبو حامد الغزالي :
" القلب خزانة كل جوهر للعبد نفيس ، وكل معنى خطير ، أولها العقل ،
وأجلُّها معرفة الله تعالى التي هي سبب سعادة الدارين ، ثم البصائر
 التي بها التقدُّم والوجاهة عند الله تعالى ، ثم النية الخالصة في الطاعات
التي بها يتعلَّق ثواب الأبد ، ثم أنواع العلوم والحكم التي هي شرف العبد ،
وسائر الأخلاق الشريفة الخصال الحميدة التي بها يحصل تفاضل الرجال ،
وحُقَّ لهذه الخزانة أن تُحفظ وتصان عن الأدناس والآفات ، وتُحرس
وتُحرز من السُرَّاق والقُطَّاع ، وتُكرم وتُجَلُّ بضروب الكرامات ، لئلا يلحق
تلك الجواهر العزيزة دنس ، ولا يظفر بها -والعياذ بالله- عدو " .
 
إن قلبا عزيزا يمتلئ بالحزن سوف يرسل الأوامر إلى الوجه ليبتسم
حتى لا يعلم الناس ما به من أذى ، فإن علموا ما به ظلَّ متألما بِذُلِّ
الشكوى محترقا بنار شفقة الناس عليه ،
 
وهكذا كان قلب العزيز أسامة بن منقذ حين قال :
نافقتُ قلبي فوجـهي ضاحكٌ جذِل ** طلـق وقلبي كئيب مُكْمد باكِ
وراحة القلب في الشكوى ولذتها ** لو أمكنت لا تساوي ذلة الشاكي
 
إن القلب والباطن هو من يضبط ويتحكم في الجوارح والظاهر ليظهر أمام
الناس ما يسمح به القلب فحسب ، ويأذن به ويرضاه ، واسمع مرة ثانية
إلى قول أسامة بن منقذ وتمثيله الجميل :
 
انظر إلى حسن صبر الشمع يُظهِرُ للـ ** رائين نورا وفيه النار تستعِر

كذا الكـريم تراه تـراه ضاحكا جـذِلا ** وقلـبه بدخـيل الغـم منفطر

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق