الخميس، 8 مارس 2018

أعاني من وساوس بعد أن تركت السحر


السؤال

♦ ملخص السؤال:
شاب دخل في أمور السحر وهو صغير وفعل بعض أفعال السحرة،
ثم تاب من ذلك، إلا أنه الوساوس تراوده حتى الآن بسبب ما
فعل في الصغر.

♦ تفاصيل السؤال:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
كنتُ وأنا طفلٌ قبل البُلوغ متأثِّرًا بالقوَّة الخارقة، وغيرها من الخزعبلات،
فبحثتُ على الإنترنت عن السحر، وعن كتابة القرآن بالمقلوب،
وبدأتُ في ذلك بالفعل، إلا أنَّني لم أستمرَّ، وقطعتُ الورقة التي
كتبتُ فيها ذلك، ولم أفعلْ ذلك إلا لجهلي.

الآن بعدما كبرتُ وعرفتُ تبْتُ إلى الله تعالى، وصرتُ إنسانًا
مستقيمًا أصلِّي الصلوات في المسجد، ولله الحمد، لكن تأتيني بعض
`الوساوس أنني كافرٌ لما فعلتُ في صغري، وأنه لا توبة لي كما قرأتُ،
رغم أنَّ ذلك كان عن طيش وجهل، وكان قبل البلوغ!
فهل أنا كافر بذلك؟ وهل عليَّ خطَرٌ من الجنِّ؟!

أحيانًا تأتيني وساوس كثيرة، وقبلَها كانتْ تأتيني وَساوس عن
الكائنات الفضائيَّة، ثمَّ وساوس عن العين، فما أنتهي مِن وسواس إلا
ويأتيني وسواس آخَر، وأنا أنصرف عن كلِّ هذه الوَساوس بالعلم،
وأكفُّ عنها، ولكنني تعبتُ مِن هذه الوساوس ولا أدري ماذا أفعل؟!

وجزاكم الله خيرًا
الجواب

الحمدُ لله، والصلاةُ والسلامُ على رسول الله، وعلى آله وصحبه
ومَن والاه، أما بعدُ:
فالحمدُ لله الذي منَّ عليك بالتوبة والاستقامة وأداء الصلاة في المسجد.

هوِّن عليك يا بني، فإنَّ الله تعالى يقبل توبة كل مَن تاب إليه مِن الذنوب
والخطايا، سواء أكان مِن الكفر أو الشِّرك أو الشكِّ والنِّفاق،
أو القتل والفِسق وغير ذلك، فكلُّ مَن تاب قَبِلَ الله توبتَه تفضُّلًا منه ورحمة؛
قال الله تعالى:
{ قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ
إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ }
[الزمر: 53]،
فهذه الآيةُ عامَّة في جميع الذنوب،
وقال تعالى:
{ وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ }
[الشورى: 25]،
وقال:
{ قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ وَإِنْ يَعُودُوا فَقَدْ
مَضَتْ سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ }
[الأنفال: 38]،
ونظائرُ هذه الآيات كثيرة جدًّا، فباب التوبة من المعاصي والشِّرك مفتوحٌ
إلى أن تطلع الشمسُ مِن مَغربِها، وإنَّما لا تَحصُل التوبة مِن الشِّرك
والكُفر إلا بالتوحيد؛
كما قال سبحانه:
{ فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ
وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ
وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ }
[التوبة: 5].

وروى مسلم (1/ 113) عن ابن عباس،
أنَّ ناسًا مِن أهل الشِّرك قتَلُوا فأكثروا، وزنوا فأكثَرُوا، ثمَّ أتوا
محمدًا صلى الله عليه وسلم، فقالوا: إنَّ الذي تقول وتَدعو لحسَنٌ،
ولو تُخبرنا أنَّ لما عملْنا كفَّارة، فنزل:
{ وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آَخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ
اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا }
[الفرقان: 68]،
ونزَل:
{ قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ }
[الزمر: 53].

أما ما قرأتَه من أن التوبة من الكفر أو الشرك غير مقبولة،
فإنك لم تَنتبه أن مقصود أهل العلم بذلك إذا كانت الوفاة على الشرك
عياذًا بالله مِن ذلك؛ واحتجُّوا بقوله تعالى:
{ إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ
يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا }
[النساء: 48]،
فهذه الآيةُ الكريمةُ نزلَتْ في حق مَن لم يَتُب ومات على شركه
وكُفره بإجماع أهل السنَّة.

أما كتابةُ حروف القرآن الكريم مُنكَّسة، فهو وإن كان مِن أفعال السحرة
إلا أنَّك فعلتَ ذلك بجهل وعدم إدراك لما تفعلُه، فأنت وإن كنتَ وقتها في
سنِّ التمييز وجمهور أهل العلم مِن الحنفية والمالكية والحنابلة يَحكُمون
بردَّة الصبي المميز، إلا أنك كنتَ جاهلًا، والذي يغلب على الظنِّ أن
ما فعلته من المسائل الخفيَّة على بعض الناس لا سيما مع صِغَر سنك.

ثم أنت - بتوفيق الله لك - كففتَ وانتهيت حينها، وتبتَ مِن قريب،
وقد قال الله جل وعلا:
{ وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا
لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ *
أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ
فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ }
[آل عمران: 135، 136].

فأَبشِر بالخير؛ فالله تعالى غفور رحيم، جوادٌ كَريم، ولا يتعاظَمُه ذنب
أن يَغفره لمن تاب منه إليه، وإنما يُذكِّرك الشيطان بذلك ليحزنك، فاستعذْ
بالله منه، واصدُق اللجوءَ إليه، واقطَع الوساوس ولا تَسترسل معها،
فهذا هو علاجها الناجع الذي وصَّى به رسولُ الله صلى الله عليه وسلم،
وستجدُ على شبكة الألوكة كثيرًا من الاستشارات المفيدة في علاج الوساوس؛
مثل: ضيق الصدر ووساوسه، علاج الوسوسة في الصلاة،
الله أكبر، الحمد لله الذي ردَّ كيده إلى الوسوسة، وساوس وخوف.

وفَّقك اللهُ لكلِّ خيرٍ

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق