الخميس، 30 أغسطس 2018

وسواس يدمرني

أ. محمد الحازمي

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أتمنى أن تَصِلَكُم رسالتي وأنتم بصحة جيدة.

لا أعلم من أين أبدأ؟ وكيف أبدأ؟ كل الذي أعلمه هو أنَّ وَسْواسًا في

العقيدة يُدَمِّرُني ويقتلني، وصَلْتُ لمرحلةٍ من الخوف لا يعلمها إلا الله،

لدرجة أنني دائمًا تأتيني أفكارٌ بأنني سأموت الآن، وسوف أدخل النار،

وأعيش في النار، وأخلد فيها

وفي بعض الأحيان يتغير هذا التفكير بمجرد سماع أهوال يوم القيامة،

ويأتي حديثٌ في نفسي - لا أتلفظ به أبدًا – وهو: أنه لا يوجد يوم القيامة -

أستغفر الله العظيم -، والله أشعر بتَعَبٍ وبخوف شديد لا يعلم به إلا الله.

علمًا بأني محافظةٌ على صلاتي، وعلى الأذكار، وعلى الصيام.

ودائمًا يأتيني فكر بأن كلَّ عمل أعمله لله غير مقبول، وأخاف مِنْ مجالسِ

الذكر كثيرًا حينما يأتي ذكرُ يوم القيامة فيها، فأشعر بفزعٍ.

وأنا الآن حينما أكتب الرسالة يأتي حديث نفس لا أنطق به، ويقول:

إنك مذنبة، وإنك كتبت أشياءَ عن يوم القيامة، أنت الآن كفَرْتِ .

أرجوكم ساعدوني، وادعوا لي بالثبات.

الجواب

الأخت الكريمة:

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.

يُعَدُّ الوَسْواس من الأمراض النفسية التي تحتاج إلى صبر، ومُدافعة،

ومُعالَجَة، إذا لَزِم الأمر، حتى يتم الشفاء منه.

ولكن يجب أن تعلمي - أولاً - أنَّ مُدافعة الوَسْوَسَة في العقيدة من قُوَّة الإيمان؛

فعن عبد الله بن مَسْعود قال: سُئِل النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّه عليه وسلم - عن الْوَسْوَسة قال:

( تلك مَحْضُ الإيمان )؛

أخرجه مسلم.

وحديث النفس كان يَحْدُثُ للصحابة - رِضْوان الله عليهم - فبيَّن لهم النبي

- صلى الله عليه وسلّم - أنَّ ذلك من صريح وقوة الإيمان؛

فعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال:

جاء ناس من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى رسول الله –

صلى الله عليه وسلم -، فسألوه:

إنَّا نجد في أنفسنا ما يتعاظم أحدُنا أن يتكلم به؟

قال: ( وقد وجدتموه؟ )، قالوا : نعم ، قال: ( ذلك صريح الإيمان )؛

أخرجه مسلم.

وعن أبي هريرة عن النَّبيِّ - صلَّى اللَّه عليه وسلم - أنهم قالوا:

يا رسول اللَّه إنَّ أحدَنَا يُحَدِّثُ نفسَه بالشَّيء ما يُحِبُّ أَنَّه يتكَلَّم به،

وإنَّ له ما على

الأرض من شيء قال:

( ذاك مَحْضُ الإيمان )؛

أخرجه أحمد في المسند .

فلا تقلقي أبدًا ولا تخافي على إيمانك، فالشيطان حريص على إدخال

الرعب والخوف إلى قلبك بكل الوسائل.

ومع ذلك فيمكن معالجة الوسواس والخوف باتباع الآتي:

1 - مُحَاولة قطع وساوس الشيطان بالبعد عن التفكير في هذه الأمور،

وعدم إطلاق الخيال فيها، والانشغال بما يعود عليك بالنفع من القيام بأداء

الواجبات الشرعية: من صلاة؛ وصيام؛ وصدقة؛ وصلة الرحم؛ وعمل الخير؛

وغير ذلك من أعمال البر، وأداء واجباتك في الحياة؛ لأن الفراغ يُوَلِّدُ

التفكير السلبي، والوساوس الشيطانية.

2 - المُحَافَظَة على الأذكار الواردة عن النبي - صلى الله عليه وسلم -،

وخاصة أذكار الصباح والمساء، وأذكار النوم، والاستعاذة من الشيطان الرجيم.

3 - اللُّجوء إلى الله - عَزَّ وَجَلّ - بالتوكل عليه، ولزوم الاستغفار،

والدعاء، وطلب العافية من الله، فالإلحاح في الدعاء من أنفع الأدوية

لمثل هذه الأمراض النفسية التي تطرأُ على المسلم والمسلمة،

وعليكِ بتحَرِّي أوقات الإجابة مثل: آخر الليل؛ وآخر ساعة في الجمعة؛ ووضع السجود،

وستجدين تَحَسُّنًا كبيرًا بإذن الله.

4 - القرآن الكريم شفاءٌ من كل داء، فاحْرِصي على تلاوتِه وتدبُّره آناء

الليل، وأطراف النهار، قال – تعالى -:

{يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ

وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ}

[يونس: 57].

يقول البيضاوي في تفسير هذه الآية: أي؛ قد جاءكم كتاب جامع

للحِكْمة العملية الكاشفة عن محاسن الأعمال، ومقابحها المرغبة في

المحاسن والزاجرة عن المقابح، والحكمة النظرية التي هي شفاء لما في الصدور

من الشكوك، وسوء الاعتقاد، وهدى إلى الحق واليقين، ورحمة للمؤمنين .

[تفسير البيضاوي: ج3 / ص33].

وقال - تعالى -:

{وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآَنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلَا يَزِيدُ

الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا}

[الإسراء: 82].

يقول ابن القيم: و(مِنْ) هنا لبيان الجنس لا للتبعيض، فإن القرآن كله شفاء...،

فهو شفاء للقلوب من الشك والريب، فلم ينزل الله - سبحانه –

من السماء شفاء قط أعمّ ولا أنفع ولا أعظم ولا أنجع في إزالة الداء

من القرآن

[الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي: انظر: ص6].

5- إذا اشتد عليك المرض، فيمكن عرض نفسك على الطبيبة المختصة،

لدراسة الحالة، ووصف العلاج اللازم،

مع الأخذ بجميع الخُطُوات السابقة والحرص عليها.

أسال الله رب العرش العظيم أن يفرج همك، ويشفيك،

ويُثَبِّتك على الحق، ويكتب لك السعادة في الدنيا والآخرة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق