الأربعاء، 19 سبتمبر 2018

علماء الأمة الإسلامية (5)

علماء الأمة الإسلامية والدور المنتظر منهم (5)


وها هنا يجب التنبيه على أمور منها:

1. أن الحاجة ماسة للعلوم الشرعية، وكلما ازدادت الحاجة للعلم
ازداد الواجب على العلماء، واليوم لا يشك عاقل في شدة حاجة
الأمة لعلوم الشريعة بعد أن طمس التغريب والتبشير والبدع والخرافات
كثيراً من معالم الدين لا سيما في باب السياسة والحكم.
2. أن الأمة لم تعد جسداً واحداً كما أمر الله تعالى وأمر رسوله
صلى الله عليه وسلم، بل تقطعت دويلات ومزقت وحدتها، وتعززت
القطرية والعصبية والطائفية والفئوية، وعدت الدعوت لوحدة الأمة
عند كثير من المنهزمين ضرباً من الخيال الذي لا يمكن تحقيقه،
متناسين أن ذلك من الواجبات على الأمة فضلاً عن علمائها.
3. أن استقلالية العالم وتحرر فتواه من هيمنة السلاطين تراجعت،
وغدت مسائل من الدين وجمل من الفتاوى خادمة للقهر والاستبداد
ومكرسة للظلم ومصادرة للحقوق والحريات، مما جعل الناس
يفتنون في دينهم ويرتمي طائفة منهم في أحضان المذاهب
الفكرية والأنظمة السياسية العلمانية وغيرها.
4. أن عودة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة من واجبات العلماء
قبل غيرهم، وليت شعري لو أن العلماء تدبروا اشتغال علماء الصحابة
رضي الله عنهم بتنصيب الخليفة قبل دفن جثمان النبي صلى الله عليه وسلم
ماذا يعني ذلك؟ أليس من الدلالة بوضوح أن اشتغال العلماء بعودة
الخلافة الراشدة مقدم على كثير من الواجبات والتكاليف الشرعية،
باعتبار خلو الأمة من منصب الخلافة الراشدة يعطل كثيراً من المصالح
الدينية والدنيوية، وهو حق في ذاته دون غيره، إذا كان الأمر كذلك فلما
هذا التغييب الصارخ لمفهوم الأمة الواحدة ووجوب تنصيب الخليفة الواحد
الذي توافرت فيه شروط الإمامة وبايعته الأمة عن رضاً واختيار،
والتعايش المشين مع الأنظمة السياسية القائمة على غير سنن الهدى،
ففي كل قطر من أقطار المسلمين لحن بالقول يصرف الأنظار
عن هذا الواجب الشرعي على العلماء والأمة بعامة .

5. أن كثيراً من العلماء بالغوا في التواضع حتى وصلوا إلى الاستخزاء،
مما جعل الساسة يزيدونهم ذلة وهواناً يقربونهم عند حاجتهم
ويعرضون عنهم عند الغنى عنهم، فأصبح أبناء الأمة لما يرون من
هوان وضعة لكثير من العلماء يمجدون الرموز الثورية وإن كانت شيوعية،
ويعرضون عن علوم الشريعة حتى لا ينالهم نصيبهم من الذلة والهوان
الذي أصاب أولئك العلماء، وصدق القاضي الجرجاني
حين قال:ولو أن أهل العلم صانوه صانهم
ولو عظموه في النفوس لعظمأي لو عظموا العلم الذي
يحملونه ولم يذلوه لعظم شأنهم ورفع مكانتهم.
6. أن كثيراً من العلماء المعاصرين لا يعملون بعلمهم إلا في ضوء
ما يسمح به السلاطين، بل والأشد خطراً من ذلك أنهم يبررون له ذلك
ويحملون الناس على وجوب طاعته في ترك الطاعات، وهذا الشأن

القبيح جعل الأمة تفقد الثقة العلمية والدينية في هؤلاء العلماء،
مما جعلهم يلتمسون العلم عند صغار العلماء فيختلط حينها الحابل بالنابل .
7. أن السواد الأعظم من العلماء غدوا شذر مذر لا تجمعهم رابطة
وترعاهم مؤسسة بحيث يقوي بعضهم بعضاً، ويفتح بعضهم على بعض
مما يجعل جنابهم أكثر صوناً وعلومهم ورياساتهم أكثر قبولاً.
8. أن كثيراً من العلماء عندما انهزم نفسياً في التعامل مع هذا الواقع
المرير للأمة انعكس ذلك على أدائه في درسه وتأليفه فغدا من حيث
يشعر أو لا يشعر يعزز مذهب الإرجاء، ويشجع العزلة ويحبذ ترك العامة،
ويقلل من شأن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والاحتساب
على الأنظمة وأرباب السياسات والرياسات، وكأن الأمر والنهي
إنما يكون من أهله على الضعفاء والمساكين، وما علم هذا العالم أن هذا
من نقص الدين كما جاء في سنن أبي داود (ج 11 / ص 412)

عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه قَالَ:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
( إِنَّ أَوَّلَ مَا دَخَلَ النَّقْصُ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ كَانَ الرَّجُلُ يَلْقَى الرَّجُلَ فَيَقُولُ
يَا هَذَا اتَّقِ اللَّهَ وَدَعْ مَا تَصْنَعُ فَإِنَّهُ لَا يَحِلُّ لَكَ ثُمَّ يَلْقَاهُ مِنْ الْغَدِ فَلَا يَمْنَعُهُ
ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ أَكِيلَهُ وَشَرِيبَهُ وَقَعِيدَهُ فَلَمَّا فَعَلُوا ذَلِكَ ضَرَبَ اللَّهُ
قُلُوبَ بَعْضِهِمْ بِبَعْضٍ )،
ثُمَّ قَالَ:
{لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ
ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ . كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ
مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ . تَرَى كَثِيرًا مِنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ
أَنْفُسُهُمْ أَنْ سَخِطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ . وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ
وَالنَّبِيِّ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاءَ وَلَكِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ فَاسِقُونَ}
[المائدة: 78- 82]،

ثُمَّ قَالَ:
( كَلَّا وَاللَّهِ لَتَأْمُرُنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلَتَنْهَوُنَّ عَنْ الْمُنْكَرِ وَلَتَأْخُذُنَّ عَلَى يَدَيْ
الظَّالِمِ وَلَتَأْطُرُنَّهُ عَلَى الْحَقِّ أَطْرًا وَلَتَقْصُرُنَّهُ عَلَى الْحَقِّ قَصْرًا ).
9. أن من العلماء من ظاهر الظالمين، وخاصم عنهم ونسي قول الله تعالى:
{وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِهَا فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلَانِ هَذَا
مِنْ شِيعَتِهِ وَهَذَا مِنْ عَدُوِّهِ فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ
فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ قَالَ هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُضِلٌّ مُبِينٌ .
قَالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ .
قَالَ رَبِّ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيرًا لِلْمُجْرِمِينَ}
[القصص: 15- 17]،

وقوله تعالى:
{إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآَنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ مَنْ جَاءَ بِالْهُدَى
وَمَنْ هُوَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ . وَمَا كُنْتَ تَرْجُو أَنْ يُلْقَى إِلَيْكَ الْكِتَابُ إِلَّا رَحْمَةً مِنْ
رَبِّكَ فَلَا تَكُونَنَّ ظَهِيرًا لِلْكَافِرِينَ . وَلَا يَصُدُّنَّكَ عَنْ آَيَاتِ اللَّهِ بَعْدَ إِذْ أُنْزِلَتْ إِلَيْكَ
وَادْعُ إِلَى رَبِّكَ وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ . وَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آَخَرَ
لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ}
[القصص: 85- 88]،

وقوله تعالى:
{إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ
بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ وَلَا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيمًا}
[النساء: 105]،
وقوله تعالى:
{وَلَا تُجَادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتَانُونَ أَنْفُسَهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ خَوَّانًا أَثِيمًا .
يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلَا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ
مَا لَا يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطًا .
هَا أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ جَادَلْتُمْ عَنْهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَمَنْ يُجَادِلُ اللَّهَ
عَنْهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَمْ مَنْ يَكُونُ عَلَيْهِمْ وَكِيلًا}
[النساء: 107- 109].10.

أن من العلماء من يهون من شأن إخوانه العلماء، وبل ويتعدى الأمر
عند قلة إلى الهمز واللمز والتنفير، لمجرد خلاف سائغ، أو اجتهاد
يعذر صاحبه، أو الأخذ برخصة، أو ضعف في موقف،
وهذا الأمر أبعد الشقة بين الأتباع وكان الأولى التزام أدب الخلاف
والتماس العذر، والقيام بواجب النصح والإصلاح، وما علم من هذا شأنه
من العلماء أن الحامل على ذلك هو الحسد المذموم أو الظن الفاسد،
وأن ذلك ينقص من قدر قائله أكثر ممن المقول فيه،
وأين هؤلاء من حديث الترمذي في السنن (ج 7 / ص 166)

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
( الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ لَا يَخُونُهُ وَلَا يَكْذِبُهُ وَلَا يَخْذُلُهُ كُلُّ الْمُسْلِمِ
عَلَى الْمُسْلِمِ حَرَامٌ عِرْضُهُ وَمَالُهُ وَدَمُهُ التَّقْوَى هَا هُنَا
بِحَسْبِ امْرِئٍ مِنْ الشَّرِّ أَنْ يَحْتَقِرَ أَخَاهُ الْمُسْلِمَ ).



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق