السبت، 22 سبتمبر 2018

محتار بين السفر للخارج والبقاء في بلدي


د. سليمان الحوسني

السؤال

♦ الملخص:
شاب يبحث عن عمل في بلده، لكنه لم يوفق، ويريد الذهاب إلى الخارج للعمل والزواج،
لكن والدته طلبتْ منه أن يبقى في بلده ويتزوَّج ويقيم معها،
وهو في حيرة من أمره.

♦ التفاصيل:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أنا شاب عمري 29 عامًا، أريد الزواج لكن عملي غير مستقر، وما زلتُ أبحث عن فرصة عمل في بلدي، وهذا أمرٌ ليس باليسير رغم مؤهلي
العلمي (البكالوريوس)، وإنْ حصل ووجدتُ العملَ فإنه الراتب سيكون قليلًا، وسيكون العملُ خاليًا مِن التأمين الصحي ومعاش التقاعد وغير ذلك!

بدأتُ أبحث عن عملٍ في الخارج، لكن المشكلة أنَّ والدتي ترى أنه مِن الصعب عليها أن نَبتعد عنها أنا وإخوتي، خصوصًا أن والدي مُتوفًّى، فطرَحتْ عليَّ فكرة أن أبحث عن عملٍ في بلدي، وأتزوَّج وأسكُن معها في بيت العائلة، فهو كبير ويَسعنا والحمد لله، ثم أخبرتني أنها لا تريد أن تقفَ أمام مستقبلي، أو تمنعني مِن السفر، وخيَّرَتني أن أختار مَن أشاء.

أثَّر فيَّ كلامُ أُمي، خاصة أنها حنون جدًّا ومتمسكة بنا، ونحن لا
نستطيع العيش دونها، فأخبرتُها أني آمُل أن أجدَ عملًا مناسبًا في بلدي
كي أعيش معها، وإن لم أجدْ فسوف أسافر.

أنا في حَيرة مِن أمري؛ ولا أُريد أن أتركها وحدَها، لكن في الوقت ذاته
لم أجدْ فرصة عمل في بلدي رغم مؤهلي.
أريد منكم أن ترشدوني إلى حلٍّ، فقد تعِبتُ من كثرة التفكير!
الجواب

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
نُرحِّب بكم ، وفي البداية نُهنئك بما منَحك الله من نِعم وإنجازات؛
حيث مؤهلك العلمي، ووجود والدتك الكريمة، وقربك منها،
ونسأل الله أن يغفر لوالدك، ويَجمعك به في الجنة.

أنت الآن أمام ثلاثة مطالب ومساعٍ مشروعة وطيبة: بِرك بأمك وقُربك منها، والعمل، والزواج،
وأسأل الله أن يُيسر لك كل الأمور، ويرزقك خيرَي
الدنيا والآخرة.
الذي ننصحك به أن تسعى في الجميع، ولكن تبدأ بالأسهل والمستطاع؛
مما يُسهل لك بقية الأمور، وهذا من فضل الله عليك، وهذا العمل عليك أن تُبادر به من الآن،
وهو الزيادة في خدمة أُمك الكريمة والتفاني في برها، وكسب مودتها ودعواتها،
وتلك عبادة عظيمة جليلة، قرَنها الله بعبادته وتوحيده؛
فقال تعالى:
{ وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا
فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا *
وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا }
[الإسراء: 23، 24]،
ولَمَّا سأل أحدُ الصحابة عن أَولى الناس بحُسن صحبته،
قال له النبي صلى الله عليه وسلم:
( أُمك، ثم أُمك، ثم أُمك ).

وصلة الرحم سبيلٌ لطول العمر وزيادة الرزق، وأعظمُ الرحم الأُم،
فبرُّك بها سببٌ لتيسير العمل الطيب والرزق الحلال، وعونٌ لك في
الحصول على الزوجة الصالحة، ودعواتها لك لن تذهب سُدى بإذن الله.

وبرك بها لا يُكلفك كثيرًا، فعليك بكل أنواع البر منذ الصباح إلى المساء، فاقترِبْ منها أكثر،
وقبِّل رأسها صباحَ مساء، وأَطِل المكث عندها،
وتحسَّس احتياجاتها، وبادِر بالقيام بما تستطيع.

وجيد أن تستغلَّ فراغك الحالي قبل الوظيفة والزواج والسفر بعيدًا للعمل
أو غيره، وهذا لا يمنع المواصلة في المساعي الأخرى التي بدأتَها،
سواء فيما يتعلق بالعمل أو الزواج.

ومن الأشياء المهمة التي ننصحك بها وهي ضرورية:
• كثرة اللجوء إلى الله عز وجل، والتذلُّل بين يديه، والمحافظة على الطاعات والعبادات - وخاصة التوحيد الخالص - والصلاة على وقتها وفي جماعة المسجد؛ لعِظَم أجرها وأثرها الإيجابي.
• تفعيل وجودك في البيت مع الوالدة، ومَن يتيسَّر حضورُه مِن الأقارب، ومدارسة القرآن العظيم وسنة سيد المرسلين، فحلقات القرآن في البيت
لها تأثيرٌ بالغ، وسببٌ لقُرب الملائكة وبُعد الشياطين، وخاصة أنك
صاحب مؤهل جامعي.
• الارتباط بالعلماء والدعاة القريبين منك، ومصاحبتهم والاستفادة منهم، واستشارتهم.
• زيادة التواصل مع بعض المؤسسات ومكاتب العمل في الداخل والخارج، من أجل الوظيفة في ضوء تخصُّصك، والاستفادة من خدمات الإنترنت، فرزقُك مكتوب، ولكن عليك البحث عنه.
• البحث عن الزوجة الصالحة ذات الدين التي أوصى بها الرسولُ صلى الله عليه وسلم، ولا شك أنها كلما كانتْ قريبة منك، ومن والدتك وبلدك، كانتْ أفضل وأوفر، وتستطيع التعرف عليها أكثر.
وفي الختام نسأل الله لك العونَ والتوفيق والسداد، وأن يرزقك الطاعةَ والبر بالوالدين
ويرزقك العمل الحلالَ والزوجة الصالحة.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق