الأربعاء، 17 أكتوبر 2018

رسالة إلى من فقدوا البصر في الكبر


لا شك أن البصر من النعم العظيمة التي امتن الله بها على معظم عباده؛
ليروا أنفسهم والآخرين، ويبصروا ما حولهم من كائنات وأشياء،
ويتأملوا عظمة وقدرة الله على خلق ما لا يعلمون..

وفقدان هذه النعمة عند من كان بصيرًا لسنوات طوال يكون أشد صعوبة
من غيابها أو فقدها في الصغر، واعتياد العيش بدونها، والتكيف مع
المجتمع بشكل طبيعي بمساعدة الوسائل التكنولوجية الحديثة التي تسهل
أمورا عدة على فاقدي البصر في زماننا هذا..

ولأن كبار السن أكثر عرضة للإصابة ببعض الأمراض التي تتسبب بشكل
مباشر في إضعاف البصر أو فقده تماما بمرور الوقت؛ يكونون متوجسين
خيفة، وينتابهم الشعور بالقلق على حال أبصارهم ومعاناتهم الشديدة
في الحياة – إذا ما أصيبوا بالعمى – خاصة لو كانوا يعيشون بمفردهم،
أو مع أناس منشغلين عنهم معظم ساعات اليوم، أو غير مكترثين
بأحوالهم الصحية والنفسية، ويتبرمون من وجودهم أصلا!..

فحينئذ يكون الأمر جد صعب على أنفسهم، ويشكل لهم ضغطا، وعبئا
إضافيا؛ لأن فقد البصر سيجعلهم في حاجة دائمة لمساعدة ودعم
المحيطين بهم، ما يجعلهم يشعرون بأنهم أصبحوا حملا ثقيلا،
وعبئا على الآخرين..

ولهؤلاء الذين ضعفت أبصارهم، أو أصابهم العمى بعد عمر
طويل نتيجة مرض مزمن أو حادث أليم أقول:
ليس أفضل للعبد المؤمن المصاب أو المبتلى من أن يصبر ويحتسب،
ويمتثل لقدر الله ويرضى بقضائه؛ ليحظى بمعيته – عز وجل - إن صبر،
ويعينه سبحانه على التحمل، ويسهل له كل عسير، ويسخر له من يقف
بجواره، ويسانده، ويدعمه بالقول والفعل دون تأفف أو تذمر..
قال تعالى:

{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ }
البقرة: 153

وقال أيضا:

{ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ }
الزمر: 10

ولا يعني فقد الإنسان البصر أنه فقد كل شيء وأصبح ميتا على قيد
الحياة، بل على العكس تماما، فقد يتبع فقدان البصر نعم جليلة جديدة،
ورزق مادي ومعنوي وفير غير متوقع، وقد يبدأ من فقد بصره في الكبر
حياة جديدة رائعة يكون فيها أكثر عبادة وطاعة، وأكثر هدوءا واطمئنانا؛
لأن عمى البصر منحة وليس محنة كما يتصور الكثيرون، ويكفي أن
من فقد إحدى حبيبتيه موعود بدخول الجنة – كما أخبرنا رسولنا الكريم..
عن أنس بن مالك – رضي الله عنه قال:
سمعت النبي – صلى الله عليه وسلم– يقول:

( إن الله قال: إذا ابتليت عبدي بحبيبتيه فصبر؛ عوضته منهما الجنة ).
رواه البخاري.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق