الخميس، 15 نوفمبر 2018

زوجي يخيرني بين القرض والطلاق

زوجي يخيرني بين القرض والطلاق

أ. مروة يوسف عاشور

السؤال

♦ الملخص:
سيدة متزوجة من رجل لا يعمل، طلَب منها أن تقترض قرضًا من البنك
على راتبها، لكنها رفضتْ، وهو يُخيِّرها بين القرض أو الطلاق.

♦ التفاصيل:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أنا سيدة متزوِّجةٌ وأعمل مُوظَّفةً، وراتبي متواضعٌ، متزوجة مِن رجلٍ
ليس له عملٌ، المشكلةُ أنه بعد زواجنا أصبح اتكاليًّا جدًّا، ويرفُض العملَ
بحجة أنه لا يُريد أن يَعملَ تحت إمرةِ أحدٍ، ودائمًا يأخذ مني مالًا،
وطلب مني أن أسحب قرضًا مِن البنك ليفتحَ به مشروعًا ويُؤمِّن به مستقبلنا.

لا أريد أن أقترضَ المال؛ لأنه بذلك لن يعملَ أبدًا، بل أريده أن يعملَ ويجتهدَ،
لأن مشاكلنا بسبب وجوده في البيت أصبحتْ لا تطاق.

لا أريد إقحام عائلتي في الأمر لأنني جرَّبتُ هذا، وحصلتْ مشكلات كثيرة
بسبَبِهم، كما أنَّ عائلتي لديها ما يَكفيها مِن الهُموم.
هو الآن يُخَيِّرني إما القرض أو الطلاق والمعاناة! فأخبروني ماذا أفعل؟
وماذا أختار؟
الجواب

أيتها الفاضلة، حياكِ الله.
أتعجَّب مِن الدعم النفسي الذي يُقدمه زوج لا يستطيع أن يعيلَ أسرةً هو
المسؤول الأول عنها، ويزيد عجبي بطلبه أن تُقدم له الزوجةُ الحل بقرضٍ
لا يبدو أنه سيتمكن مِن سداده، وإن لم تفعلْ فالطلاقُ يَنتظرها!

أيُّ تهديد هذا الذي يحسب أنه سيُؤثر في امرأةٍ لم تجد لديه
أبسط وآكد حقوقها؟! يقول الله تعالى:
{ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ }
[البقرة:233]،
وقال جل وعلا:
{ الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا
أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ }
[النساء: 34]،
فقد فضَّل الله الرجلَ على المرأةِ بأمور؛ منها: إنفاقه عليها وعلى
ولده بالمعروف، وهو غيرُ متفضِّل عليهم بذلك؛
لما قد أوجب الله عليه مِن حقوق إن ضيَّعها عُدَّ من الآثمين!

وقد قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم:
( كفى بالمرء إثمًا أن يُضيع من يعول )؛
حسنه الألباني.
فما أشد عجبي مِن خوفكِ من الطلاق الذي يُهددكِ به وكان مِن المتوقع
أن تُبادري أنتِ بمثل هذا التهديد!
أيتها الفاضلة، بالتأكيد لا أوافقكِ الرأي في تلبية مطلبه بقرض من
البنك أو مِن غيره، بل أُحذِّركِ مِن فِعْل ذلك، وإن أصرَّ فليفعلْ هو ما يشاء،
لكن فِعلكِ ذلك قد يُوقعكِ في مشكلاتٍ أنتِ وأبناؤكِ في غنى عنها، وإن كان يظنُّ أن
ذلك القرض سيحل المشكلة فقد أخطأ؛ فالمشكلةُ ليستْ في رأس مال
إن توفَّر صلح الحال، وإلا فالفقر والضياع والتشرُّد، المشكلةُ لديه
هو وفي طريقةِ تفكيره التي لن تضعَه إلا حيث يخشى أن يكون.

ولا تيئسي مِن أن تُكرري عليه أن ذلك مِن واجباته الشرعية،
وليس له أن يُحمِّلكِ نتيجة إخفاقه في العمل، أو رغبته في أن يختارَ
نوعية العمل الذي يُوافق هواه وكأنه غيرُ مسؤول عن أسرة واحتياجاتها كاملة.

أنصحكِ أيضًا ألا تَمنحيه مِن راتبكِ المتواضع ما يُريد، فهذا حقٌّ شرعيٌّ
لكِ ومنحكِ إياه سيُرغبه في المزيد، وسيزيد مِن ترسيخ الشخصية
الاعتمادية التي لا تتحمل أدنى قدرٍ مِن الأمانة، وليس له بحالٍ أن
ينتظرَ راتبًا تجنين مِن ورائه التعَب النفسي وتحمل ضغوط العمل ومشقته،
وقد كان عليه أن يكفيكِ ذلك كله بتوليه الإنفاق على الأسرة دونكِ
بما فيه مِن تحمُّل أعباء المطعم والملبس والرعاية الصحية والتعليم،
وغيرها مِن الأمور المُتعارف عليها في حُدود المعقول
والمُستطاع لمن هُمْ في مثل مكانتكم الاجتماعية.

لا أقترح عليكِ أن تَطلُبي الطلاق - وإن كان حقًّا لكِ متى ما عجز
عن النفَقة - إلا أني لا أقبل فكرةَ تلبية طلبِه، فإن أبَى إلا ذلك فلا تحمِلي
هَمَّ الرزق أو الدعم النفسي أو غيرها مِن الهموم، وقد يفتح الله عليكِ
مِن أبواب الخير والرزق ما لا يَخْطُر لكِ ببال، وها أنتِ قد حملتِ من الهمِّ
والقلق ما لا تحمله العزباء أو المُطلقة وأنتِ متزوجة، فماذا تخشين إذًا؟!

وإن كان بإمكانكِ مساعدته، فلْيكُنْ بتصبيره على الحال، والبحث معه
عنْ آفاقٍ جديدة في صميم عمَلِه في مجال التجارة، والذي يحتاج
لعقل متفتحٍ، وذهنٍ مُتَّقِدٍ، وحماسةٍ مُتواصِلة، ومتابعةٍ دائمة للأحوال
والأحداث، وكم مِن موظفٍ صغير يعمل تحت إمرة غيره ارتقى
وعلا شأنه باجتهاده وكفاحه ومواصلة العمل بروح ا
لتفاؤل والإصرار على تحقيق النجاح!
وكم مِن منتظر للرفعة طال انتظاره، وهو في مكانه يرجو مَن يُحرِّكه
ويَدفَعُه دفعًا!

ولكل شابٍّ ورجلٍ أقول: يقول رسولُ الله صلى الله عليه وسلم:
( يا معشر الشباب، مَن استطاع منكم الباءة فليتزوَّجْ )،
فإن لم تستطيعوا فاتقوا الله في بنات المسلمين، ولا تُقدموا على ما لا
طاقة لكم به، فتظلموا أنفسكم ومَن استُرعيتم عليهم وتكفَّلتم بهم،
وكما تطلبون ما لكم مِن حقوق وتحفظونها عن ظهرِ قلب، فمِن الجَوْر أن
تنسوا ما عليكم مِن واجباتٍ، وتذكروا كم نظرة حرمان سينظرها أطفالكم
ونساؤكم لمن أكرمهم الله ورزقهم بمن يستطيع توفير وتأمين حياة طيبة كريمة لهم!
والله الموفِّق، وهو الهادي إلى سواء السبيل
منقول للفائدة

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق