السبت، 2 نوفمبر 2019

سلسلة أعمال القلوب (12)

سلسلة أعمال القلوب (12)


يقول أبو حفص النيسابوري رحمه الله:

'حرست قلبي عشرين سنة، ثم حرسني عشرين سنة'

[ نزهة الفضلاء 1205] . إذا استقام قلب العبد؛ استقامت أعماله وجوارحه،

فإذا جاءه الشيطان بخاطرة من الخواطر قبل أن يستقيم قلبه ويثبت على

الطاعة؛ فإن القلب يحتاج إلى مدافعة عظيمة لهذه الخواطر، فإذا صار

في القلب قوة وصلابة في الإيمان، واستقام القلب لصاحبه، وروضه على

طاعة الله عز وجل والإقبال عليه؛ فإنه يحرس صاحبه، فإذا رأى شيئاً تلتفت

إليه كثير من النفوس الضعيفة، ويتطلع إليه أصحاب القلوب المريضة،

فيطمع الذي في قلبه مرض؛ فإن الإنسان ينصرف قلبه عن هذه الأمور

المشينة ولا يلتفت إليها، ويتذكر مباشرة عظمة الله وجلال الله ورقابة الله،

فلا تتحرك نفسه للمعصية، أو الوقوع في الريبة والدخول في أمور وطرائق

ليس له أن يدخل فيها.. 'حرست قلبي عشرين سنة وحرسني عشرين سنة

ثم وردت عليّ وعليه حالة صرنا محروسين جميعاً'



معنى هذا الكلام:

أنه كان في مكابدة في عشرين سنة حتى استقام قلبه، فحرسه عشرين سنة،

ثم مرت عليه أحوال صار قلبه محروساً، وصارت جوارحه محروسة حينما

تروضت على طاعة الله عز وجل، فالعين لا تنظر إلا إلى ما يرضي الله،

وصار السمع المحرم الذي يعشقه كثير من الناس وتميل إليه قلوبهم صار

قلبه ينفر منه وصارت أذنه تمجه لا يجد له لذة وحلاوة يجدها أولئك الذين

مرضت قلوبهم ولهذا إذا أردت أن تربي نفسك فعليك أن تحرس قلبك أولاً

ثم يحرسك هذا القلب ثم تكون بعد ذلك محروساً معها، لا يكفي أن نعلم

الناس بعض الأمور الظاهرة لا يكفي أن تعلمهم بعض الآداب- مع أنها

مطلوبة- بل لابد أيضا أن نربي القلوب على الإخبات والخوف والمحبة

والخشية والمجاهدة والصبر واليقين وما إلى ذلك من المعاني .



أما إذا خلت القلوب من ذلك مع صلاح الظاهر؛ فإن أمراض القلوب وعللها

تظهر في مناسبات كثيرة: تظهر في حال المنافسات، فيتصارع الأقران،

ويحصل التباغض والتطاحن، وتحصل العداوة، تحصل في المواطن التي

تتطلع النفس فيها إلى الظهور والعلو في الأرض، والنفس تواقة إلى ذلك

تحتاج إلى كبح وإلى مجاهدة وإلى أن يكبتها العبد، وأن يأخذ بزمامها فلا

تنفلت عليه، وإلا فإنه إذا سرحها، فإنها تسرح به في أودية الهلكة طلباً

للرئاسة والشهرة وتحصيل شهوات معنوية ولذات هي أعظم من اللذات

الحسية التي يطلبها كثير من المساكين الذين قد تكون غاية أحدهم لذة حسية

من مأكل، ومشرب، وملبس، ومنكح، أو مال يحصله، ولكن هناك شهوات

هي أعظم من ذلك كله وهي التطلع إلى الظهور في الأرض والعلو

على الناس، وأن ينال شرفاً في أعينهم وقدراً في نفوسهم.



هذه الأمور قد لا يستطيع الإنسان أن يتخلص منها إذا لم يكن له التفات

كبير إلى قلبه ومجاهدة عظيمة مع هذا القلب والواردات التي ترد عليه،

تجد الشخص يتربى سنوات طويلة على كثير من الآداب، ثم بعد ذلك ترى

منه أشياء عجيبة يخجل العاقل منها وربما ذهبت بعمله الصالح الذي عمله

من دعوة، أو صلاة، أو صيام، أو غير ذلك، الإنسان قد يتعب جوارحه وينهك

قواه من أجل أن يحصل على لذة معنوية إما أن تكون لذة مطلوبة شرعاً كلذة

العبودية والأنس بالله عز وجل وإما أن تكون لذة محرمة وهي أن يذكر

ويعرف وينال شرفاً عند الناس .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق