الخميس، 4 أغسطس 2022

الضوابط الشرعية لموقف المسلم في الفتن (23)

الضوابط الشرعية لموقف المسلم في الفتن (23)


* القسم الثاني: أحوال وقضايا فهم الواقع فيها لا أثر له في الحكم الشرعي :
- فمن ذلك مثلاً : ما يتردد بين الخصمين عند القاضي : يأتي خصمان عند
قاض , هذا يبدي ما حصل له في المسألة ؛ ما حصل بينه وبين خصمه ,
وحصل كذا وكذا بكلام يطول- يعلمه القضاة - , لكن كل ذلك الكلام الكثير الذي
هو من الواقع لا يثبته القاضي في القضية ؛ لأنه وإن كان واقعاً ؛ فإنه
لا أثر له على الحكم , وإنما هو واقع لا ينبني عليه الحكم .

ولذلك يقول المفتي أو يقول القاضي في مثل ذلك : ولو كان كذا , ولو كان
كذا ؛ يعني : أن ما ذكرته من الواقع لا أثر له شرعاً في الحكم الشرعي.

- مثال آخر :مثلاً نرى في وقتنا الحاضر – وهذا مثال أقرب به إلى الأذهان
هذه المسألة – أن كثيراً من الدعاة – كبار السن بعض الشيء – يخالطون
صغار السن , ويدعونهم ويرشدونهم ويحببون لهم الهدى والصلاح ,
إما في المنتديات العامة , أو في المكتبات , أو في نحو ذلك.

ونحن نعلم أنه يحصل من اختلاط الكبار بالصغار مفاسد – بل ومحرمات - ,
ونعلم ذلك من بعض الأحوال على وجه التفصيل .
وفهمنا لذلك الواقع لا يجعلنا نحكم على دعوة الكبار للصغار بأنها لا تجوز.
وإنما فهم ذلك الواقع السيئ لا أثر له في الحكم على الدعوة بأنها
غير مشروعة من الكبير للصغير .

ولكن فهمنا لذلك الواقع فيه عرض لمسألة أخرى , وهي : أن ينصح ويرشد
مَن وقع في الخطأ , أو وقع في محرم , أو لبس شيئا غير شرعي ,
أو لا يرضاه الله : أن ننصحه بالتوبة .

فكان ذلك الواقع فهمه لا أثر في الحكم الشرعي من الجواز وعدمه , وإنما له
أثر في النصيحة هناك في من وقع في ذلك الأمر , حتى يقوم بالحق دون
إتيان بالمنكر , أو دون غشيان لما لا يحبُّه الله ورسوله.
هذه أمثلة لا أطنب فيها , إنما هي لتقريب الأمر إليكم .

- مثال أيضاً مما ينبغي أن ينبَّه عليه : أن هناك أحكاماً شرعية يعتقد
الناس والعامة فيها اعتقاداً غير صحيح , مثال ذلك :
النبي صلى الله عليه وسلم ثبت عنه في الصحيح أنه بال واقفاً .
فالبول واقفاً عند أمن تطاير الرشاش والبول والنجاسة على البدن
أو على الثياب جائز ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم فعله .
ولكن الجهال والعامة يعتقدون فيمن فعل ذلك الفعل أنه وقع في خطأ ,
وأنه فعل فعلاً من خوارم المروءة , وأنه كذا وكذا ....

هذا الاعتقاد منهم – اعتقاد الجهال – لا يعني أن الحكم غير صحيح ,
أو لا يؤخذ به , وإنما هذا الأمر – بجواز البول واقفاً – لا شك أنه ثابت
وصحيح , لا مراء في ذلك , وخطأ الجاهل في اعتقاده ,وخطأ الجاهل في
تصوره فيما يتعلَّق بذلك الحكم الشرعي – أو بأي حكم تعلق الجاهل فيه
باعتقاد خطأ – علاجه بتوعية الجاهل , ليس علاجه بتغيير
ما رآه العالم حكماً شرعيّاً صحيحاً .

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق