الأربعاء، 5 ديسمبر 2012

الكبر و خطره على العالم



انتقدت على أكثر العلماء و الزهاد أنهم يبطنون الكبر .

فهذا ينظر في موضعه و ارتفاع غيره عليه ،

و هذا لا يعود مريضاً فقيراً يرى نفسه خيراً منه .

حتى إني رأيت جماعة يوماً إليهم ، منهم من يقول لا أدفن إلا في دكة

أحمد بن حنبل ، و يعلم أن في ذلك كسر عظام الموتى ،

ثم يرى نفسه أهلاً لذلك التصدر .

و منهم من يقول : ادفنوني إلى جانب مسجدي ،

ظناً منه أنه يصير بعد موته مزاراً كمعروف الكرخي .

و هذه خلة مهلكة و لا يعلمون .

قال النبي صلى الله عليه و سلم : من ظن أنه خير من غيره فقد تكبر .

و قل من رأيت ، إلا و هو يرى نفسه .

و العجب كل العجب ممن يرى نفسه ، أتراه بماذا رآها ؟

إن كان بالعلم ، فقد سبقه العلماء ، و إن كان بالتعبد ، فقد سبقه العباد ،

أو بالمال ، فأن المال لا يوجب بنفسه فضيلة دينية .

فإن قال : قد عرفت ما لم يعرف غيري من العلم في زمني ،

فما علي ممن تقدم .

قيل له : ما نأمرك يا حافظ القرآن ،

أن ترى نفسك في الحفظ كمن يحفظ النصف .

و لا يا فقيه أن ترى نفسك في العلم كالعامي .

إنما نحذر عليك أن ترى نفسك خيراً من ذلك الشخص المؤمن و إن قل علمه .

فإن الخيرية بالمعاني لا بصورة العلم و العبادة .

و من تلمح خصال نفسه و ذنوبها علم أنه على يقين من الذنوب

و التقصير ، و هو من حال غيره على شك .

فالذي يحذر منه الإعجاب بالنفس ، و رؤية التقدم في أحوال الآخرة ،

و المؤمن لا يزال يحتقر نفسه .

و قد قيل لعمر بن عبد العزيز رضي الله عنه : إن مت ندفنك في حجرة

رسول الله صلى الله عليه و سلم ؟

فقال :

[ لأن ألقى الله بكل ذنب غير الشرك ،

أحب إلي من أن أرى نفسي أهلاً لذلك ] .

و قد روينا : أن رجلاً من الرهبان رأى في المنام قائلاً :

يقول له :

[ فلان الإسكافي خير منك ]

فنزل من صومعته ، فجاء إليه فسأله عن عمله ، فلم يذكر كبير عمله .

فقيل له في المنام : عد إليه ، و قل له مم صفرة وجهك ؟

فعاد فسأله فقال : ما رأيت مسلماً إلا و ظننته خيراً مني ،

فقيل له : فبذاك ارتفع .



من صيد الخاطر .. ابن الجوزي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق