الاثنين، 11 فبراير 2013






الدعاء من أجلّ العبادات وأفضل القربات ، به يكشف الله الضر ،

 ويجيب المضطر ، ويرفع البلاء ، ويقضي الحاجات ، ويعين على الطاعات .

 

عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ رضي الله عنه:

 

 ( عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى :

{ وَقَالَ رَبُّكُمْ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ }

 قَالَ :

الدُّعَاءُ هُوَ العِبَادَةُ )

رواه أبو داود (1479) والترمذي (2969)واللفظ له،

وصححه الألباني في "صحيح الترمذي".

ولذلك كان دعاء غير الله عز وجل من الشرك الأكبر ، حيث صرف صاحبه العبادة لغير الله.

وحيث كان الدعاء هو العبادة وجب أن يتأدب الداعي بأدب العبودية لله في

دعائه، ومن جملة تلك الآداب أن لا يعتدي فيه

 

{ إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ المُعْتَدِينَ }

 

روى أحمد (16354) وابن ماجة (3864) :

عَنْ أَبِي نَعَامَةَ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مُغَفَّلٍ سَمِعَ ابْنَهُ يَقُولُ :

 

( اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الْقَصْرَ الْأَبْيَضَ عَنْ يَمِينِ الْجَنَّةِ إِذَا دَخَلْتُهَا .

فَقَالَ : أَيْ بُنَيَّ سَلْ اللَّهَ الْجَنَّةَ وَعُذْ بِهِ مِنْ النَّارِ ؛

 فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ :

 سَيَكُونُ قَوْمٌ يَعْتَدُونَ فِي الدُّعَاءِ )

وصححه الألباني في "صحيح ابن ماجة" .

 

ومن الاعتداء فيه أن يثني على الله تعالى بما لم يثن به سبحانه على نفسه ،

ولا أثنى به عليه رسوله .

قال ابن القيم رحمه الله :

 

[ ومن الاعتداء في الدعاء أن تعبده بما لم يشرعه ، وتثني عليه بما لم يثن

به على نفسه ولا أذن فيه ؛ فإن هذا اعتداء في دعاء الثناء والعبادة ،

 وهو نظير الاعتداء في دعاء المسألة والطلب ]

 انتهى من "بدائع الفوائد" (3 /524)

ومعلوم أن أسماء الله تعالى وصفاته توقيفية ، فلا يوصف الله إلا بما وصف

به نفسه سبحانه أو وصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم لا يتجاوز ذلك .

قال الخازن في تفسيره (3/136):  

[ وقوله سبحانه وتعالى :  

 { فَادْعُوهُ بِهَا }

 يعني ادعوا الله بأسمائه التي سمى بها نفسه أو سماه بها رسوله ففيه دليل

على أن أسماء الله تعالى توقيفية لا اصطلاحية ، ومما يدل على صحة

هذا القول ويؤكده :

 أنه يجوز أن يقال : يا جوَاد ، ولا يجوز أن يقال : يا سخي .

ويجوز أن يقال : يا عالم ، ولا يجوز أن يقال : يا عاقل ]

  انتهى .

فلا يسوغ أن يقال في الدعاء : يا عالي  لأن العالي ليس من أسماء الله تعالى

 وإنما هو العليّ سبحانه ، كما قال في كتابه العزيز :

 

{ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ }

البقرة/ 255

وقال عز وجل :

 

{ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ }

 الحج/ 62

ومن الاعتداء فيه أن يتعهد دعاءً مخترعا يدعو به ، ويجعله وردا له ،

يلازمه ملازمة الأوراد الشرعية ، فيؤدي به إلى ترك السنة ، وهجر أدعية

الكتاب ، بقدر ما أخذ وانشغل به من الأدعية المخترعة .

وكثيرا ما نجد من هؤلاء من يتعهد دعاء حفظه عن شيخه ، أو قرأه في كتاب

فاستحسنه ، فهجر به الدعاء المأثور ، ورغب عن أدعية الكتاب والسنة إلى

دعاء محدث مخترع.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية :

 

[ لا ريب أن الأذكار والدعوات من أفضل العبادات ، والعبادات مبناها على

التوقيف والإتباع لا على الهوى والابتداع ،فالأدعية والأذكار النبوية هي

أفضل ما يتحراه المتحري من الذكر والدعاء ، وسالكها على سبيل أمان

وسلامة ، والفوائد والنتائج التي تحصل لا يعبر عنه لسان ولا يحيط به

إنسان ، وما سواها من الأذكار قد يكون محرما وقد يكون مكروها وقد

يكون فيه شرك مما لا يهتدي إليه أكثر الناس ، وهي جملة يطول تفصيلها.

وليس لأحد أن يسن للناس نوعا من الأذكار والأدعية غير المسنون ،

ويجعلها عبادة راتبة يواظب الناس عليها كما يواظبون على الصلوات

 الخمس ؛ بل هذا ابتداع دين لم يأذن الله به ، بخلاف ما يدعو به المرء

أحيانا من غير أن يجعله للناس سنة ، فهذا إذا لم يعلم أنه  يتضمن معنى

محرما لم يجز الجزم بتحريمه ، لكن قد يكون فيه ذلك والإنسان لا يشعر به

وأما اتخاذ ورد غير شرعي واستنان ذكر غير شرعي : فهذا مما ينهى عنه .

ومع هذا ففي الأدعية الشرعية والأذكار الشرعية غاية المطالب الصحيحة ،

ونهاية المقاصد العلية ، ولا يعدل عنها إلى غيرها من الأذكار المحدثة

 المبتدعة إلا جاهل أو مفرط أو متعد ]

 انتهى .

"مجموع الفتاوى" (22 /510-511)

الإسلام سؤال وجواب

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى :

 

[ ومما أذن فيه الشرع أن يتخير المسلم من الدعاء أعجبه إليه، حتى ولو لم

يكن ثابتا بلفظه في السنة،

لعموم قول النبي صلى الله عليه وسلم:

 

( ليتخير أحدكم من الدعاء أعجبه إليه فليدع الله عز وجل )

رواه البخاري والنسائي واللفظ له.

وما كان من هذا القبيل من الدعاء المطلق لا يجوز تقييده بزمان أو حال

 أو مكان أو عدد، واتخاذ ذلك سنة راتبة، إلا بدليل شرعي ]

 

قال العلامة بكر أبوزيد في كتابه (تصحيح الدعاء)

وهو يقعد لتصحيح التعبد بالذكر والدعاء، تحت قاعدة

(الفرق بين الأدعية والأذكار المقيدة بحال أو زمان أو مكان،

 وبين الأدعية والأذكار المطلقة).

قال:

[ وإن كان - أي الذكر أو الدعاء - غير وارد، بل أتى به الداعي من عند

نفسه، أو من المنقول عن السلف، فإنه يجوز للعبد الذكر والدعاء 

  بغير الوارد في باب الذكر والدعاء المطلق  بخمسة شروط:

1 ـ أن يتخير من الألفاظ أحسنها وأنبلها وأجملها للمعاني وأبينها، لأنه مقام

مناجاة العبد لربه ومعبوده سبحانه.

2 ـ أن تكون الألفاظ على وفق المعنى العربي ومقتضى العلم الإعرابي.

3 ـ أن يكون خالياً من أي محذور شرعاً ، لفظاً أو معنىً.

4 ـ أن يكون في باب الذكر والدعاء المطلق لا المقيد بزمان أو حال أو مكان.

5 ـ أن لا يتخذه سنة راتبة يواظب عليها. ]

اهـ.

 

والقاعدة الثانية التي ذكرها الشيخ ـ رحمه الله ـ

هي قاعدة التأسي والإقتداء في الدعاء، ومما قال تحتها:

 

[ كل ذلك في دائرة قاعدة التعبد العظيمة، وهي: أن الأصل في الدعاء التحريم

لا ما دل الدليل على جوازه.(الفروق للقرافي: 4/264- 265)

وهي التي صاغها الأئمة بقولهم:

"وقف العبادة على النص ومورده في جهات التعبد الست".

 وهي: السبب. والنوع. والمقدار. والكيفية. والزمان. والمكان.

فإن اختلت واحدة من هذه الجهات كان في الدعاء غلط، أو اعتداء]

 اهـ.

 

ومن القواعد التي تفيد السائل في استفساره:

القاعدة السادسة وهي:

 كل من أحدث في التعبد كالذكر والدعاء المُقيد ما ليس منه تسنناً،

فقد أثم

من جهات أربع:

 1ـ هجر المشروع.

2ـ والاستدراك على الشرع.

 3ـ واستحباب ما لم يُشرع.

 4ـ وإيهام العامة بمشروعيته.

 فليحذر العبد القانت لربه من إحداث ما لم يُشرع، ففي المشروع كل خير،

وغناء، وخيرة الله لعبده، خير من اختيار العبد لنفسه.

والقاعدة السابعة وهي:

إذا وُجدَ المُقتضي في زمن النبي صلى الله عليه وسلم وفقد المانع، ولم يرتب

صلى الله عليه وسلم تشريعاً قولاً أو فعلاً، فإن السُّنة هي الترك تأسياً.

فتح الباري.

لجنة إفتاء إسلام ويب

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق