التَّواضُع تواضعان:
أحدهما محمود، والآخر مذموم.
والتَّواضُع المحمود: ترك التَّطاول على عباد الله والإزراء بهم.
والتَّواضُع المذموم: هو تواضع المرء لذي الدُّنْيا
رغبةً في دنياه،
فالعاقل يلزم مفارقة التَّواضُع المذموم على الأحوال
كلِّها،
ولا يفارق التَّواضُع المحمود على الجهات كلِّها
.
التَّواضُع المحمود على نوعين:
النَّوع الأوَّل:
تواضع العبد عند أمر الله امتثالًا، وعند نهيه
اجتنابًا،
فإنَّ النَّفس لطلب الرَّاحة تتلكأ في أمره، فيبدو
منها نوع إباء وشِرَاد هربًا
مِن
العبوديَّة وتثبت عند نهيه طلبًا للظَّفر بما مُنِع
منه،
فإذا
وضع العبد نفسه لأمر الله ونهيه فقد تواضع للعبوديَّة.
والنَّوع الثَّاني:
تواضعه لعظمة الرَّب وجلاله وخضوعه لعزَّته وكبريائه،
فكلَّما شمخت نفسه ذكر عظمة الرَّب تعالى وتفرُّده
بذلك،
وغضبه
الشَّديد على مَن نازعه ذلك، فتواضعت إليه نفسه،
وانكسر لعظمة الله قلبه، واطمأنَّ لهيبته وأخبت
لسلطانه،
فهذا غاية التَّواضُع، وهو يستلزم الأوَّل مِن غير
عكس، والمتواضع حقيقةً
مَن
رُزِق الأمرين، والله المستعان.
التَّواضُع المذموم:
قال ابن القيِّم:
[ ومِن التَّواضُع المذموم: المهانة. والفرق بين
التَّواضُع والمهانة:
أنَّ
التَّواضُع يتولَّد مِن بين العلم بالله سبحانه ومعرفة أسمائه
وصفاته
ونعوت
جلاله، وتعظيمه ومحبَّته وإجلاله، ومِن معرفته بنفسه
وتفاصيلها وعيوب عملها وآفاتها، فيتولَّد مِن بين ذلك
كلِّه خُلُقٌ هو التَّواضُع
وهو
انكسار القلب لله، وخفض جناح الذُّل والرَّحمة
بعباده،
فلا
يرى له على أحدٍ فضلًا، ولا يرى له عند أحدٍ حقًّا، بل يرى الفضل
للنَّاس عليه، والحقوق لهم قِبَلَه، وهذا خُلُقٌ
إنَّما يعطيه الله عزَّ وجلَّ
مَن
يحبُّه ويكرمه ويقرِّبه.
وأمَّا المهانة: فهي الدَّناءة والخِسَّة، وبذل
النَّفس وابتذالها في نيل
حظوظها
وشهواتها، كتواضع السِّفَل في نيل شهواتهم،
وتواضع المفعول به للفاعل، وتواضع طالب كلِّ حظٍّ لمن
يرجو نيل حظِّه منه،
فهذا كلُّه ضِعَةٌ لا تواضع، والله سبحانه يحبُّ
التَّواضُع، ويبغض الضِّعَة
والمهانة، وفي الصَّحيح عنه: وأُوحى إليَّ أن تواضعوا
حتى لا يفخر أحدٌ
على أحدٍ، ولا يبغي أحدٌ على أحدٍ
]
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق