الثلاثاء، 20 أغسطس 2013

غرباء في الدين

 
 أيها الأخوة المؤمنون.
 يقول الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز:

} فَلَوْلَا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ
 أُولُو بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ إِلَّا قَلِيلاً مِمَّنْ أَنْجَيْنَا مِنْهُمْ
وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَا أُتْرِفُوا فِيهِ وَكَانُوا مُجْرِمِينَ (116) {
( سورة هود116)
 
هذه الآية تدل دلالةً قطعيةً على أنَّ الناجينَ قِلة، وعلى أنَّ المستقيمين قِلة،
وعلى أنَّ الطائعينَ قِلة،
 فإذا وجدتَ نفسكَ
 في عصرٍ ما مع القِلة الطائعة بعيداً عن الكثرة العاصية، مع القِلة المنيبة
بعيداً عن الكثرة المعرضة، مع القِلة المتبّعة لسنة النبي عليه الصلاة والسلام
 بعيداً عن الكثرة التائهة والضالة فهذه علامة طيبة لأنَّ الله
سبحانه وتعالى في هذه الآية وبدلالةٍ قطعية يؤكد أنَّ أكثرَ من في الأرضِ..
 
} وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ
 إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ{
( سورة الأنعام )
 
هناك شعور ينتاب المؤمن.. يارب كلُّ هؤلاء الناس على خِلاف الحق
، أكثرُ هؤلاء الناس ليسوا على الطريق المستقيم،
 أيهما على حق أنا أم هم..
 لِئلا تقعَ في هذا الصِراع، لِئلا تشعرَ بالوحشة، لِئلا تشعرَ بأنكَ وحيد
ٌ في هذا المجتمع التائه، لِئلا تُحس أن الحقَّ مع هؤلاء الأكثرية فتقول
لعلي على ضلال أنا وحدي، لِئلا تقع في هذه المشاعر التي لا ترتاح لها
جاءت الآية الكريمة تؤكدُ
 
 أُولُو بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ إِلَّا قَلِيلاً مِمَّنْ أَنْجَيْنَا مِنْهُمْ
وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَا أُتْرِفُوا فِيهِ وَكَانُوا مُجْرِمِينَ (116) {
 
بقيةٌ قليلةٌ ينهونَ عن الفسادِ في الأرض، معنى ذلك أنَّ الفسادَ ظهرَ وعمّ،
وأنَّ هذه القِلةَ القليلة تنهى عن الفساد في الأرض، لو عرضتَ أمرها
على الناس لرأوها فِئةً تائهةً. لو أُتيحَ لكَ أن تقبضَ مالاً كثيراً من شُبُهةٍ
ورفضته تُتهمُ في عقلك، لو أُتيحَ أن تكونَ في نزهةٍ مع أًصحابك.
 النزهة مختلطة.. ورفضتَ هذه النزهة لاتهمت في عقلك،
لو جاءكَ خاطِبٌ لابنتكَ من مستوىً رفيع في ماله وفي جاهه وفي عمله
ورفضتَ هذا الخاطب لرِقةٍ في دينه تُتهمُ بعقلك فلِئلا تقعَ في هذه المشاعر
جاءت الأحاديث الشريفة تؤكد فحوى هذه الآية،
 يقول عليه الصلاة والسلام:
عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَنَّةَ
 أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ

 ( بَدَأَ الإسْلامُ غَرِيبًا ثُمَّ يَعُودُ غَرِيبًا كَمَا بَدَأَ فَطُوبَى للغُرَبَاءِ )

الناس خرجوا في الطرقات بلا احتشام وبلا وقار وبلا تستر وبلا انضباط
تَبِعوا الأجانب في أزيائهم، لو أنَّ ثيابَ المرأةِ الأجنبيّة تبذلّت لتبذلّت المرأة
المسلمة معها اتباعاً لها، لو دخلوا جُحرَ ضبِّ خَرِبٍ لدخلتموه
 فحينما ترى أنَّ الكثرة الكثيرة خرجوا في الطرقات بلا حجاب بلا احتشام
 بلا وقار، تتبعوا عادات الأجانب عادةً عادة، قلّدوهم في كلِّ شيء،
 قلّدوهم في احتفالاتهم المُختلطة، قلّدوهم في إنفاقهم المُترف،
قلّدوهم في أكلهم المالَ الحرام، قلّدوهم في العلاقات الربوية
، قلّدوهم في تفلت الناس من منهج الله عزّ وجل،
إنَّ رأيتَ مجتمعاً هكذا صِفته وأنتَ غريبٌ عنه لا ترضى به تُنكر ما فيه،
فهذه بِشارةٌ طيبةٌ على أنك من الغرباء،
 يعني أيها المؤمن لا تشعر بالوحشة، وحشتك طبيعية جداً وحشتك
من الناس طبيعية، بل هيَ شعورٌ صحيّ للمؤمن.
 يقول عليه الصلاة والسلام:

(  بدأ الإسلام غريباً وسيعود غريباً كما بدأ فطوبى للغرباء )
 
قيلَ يا رسول الله ومن الغرباء
 
قال
( الذين يصلحون إذا فَسَدَ الناس )
 
البطولة أن تُتاح لكَ الدنيا من أوسع أبوابها، أن يُتاح لكَ أن تكونَ
 في أعلى المراتب، لكنَّ هذه المرتبة التي يطمحُ لها الناس أساسها إيقاع
الأذى بالناس، أو إضلال الناس، أو إفساد العلاقات، فمهما كانت
هذه المرتبةُ مغريّةً لوجود شُبهةٍ فيها تبتعدُ عنها،
 إذاً يصلحون إذا فسَدَ الناس ,حينما يَعمُّ الفسادُ في الأرض أكثر الناس
 لا يبالون أكانَ كسبهم حلالاً أم حراماً،
 أكثرُ الناس لا يبالون أكانت علاقاتهم مع بعضهم مشروعةً
 أو غيرَ مشروعة، أكثرُ الناس لا يبالون إذا كانت أعمالهم أساسها طاعة
أو معصية، جاءته وظيفةٌ دخلها كبير ولكن في ممارسة هذا العمل
 بعضُ المعاصي فرفضها، لو عرضتَ قصته على الناس لاتهموه
بالجنون، يشعر بغربة حتى أهله حتى أمه حتى أبوه.
 أعرف رجلاً آخر جاءه عرضٌ لِبضاعةٍ لا تُرضي الله عزّ وجل عشرة
آلاف قطعة صنّعها وخذ ثمنها ولكن إذا صنّعتَ هذه القِطع فقد أعنت على
الإثم والعدوان.. .. ثيابٌ ترتديها النساء في المسابح
لا تُرضي الله عزّ وجل وهو في أشدِ حالات الضيق فرفضها.
الإيمان ليسَ كما يظنُ الناس، الإيمان ليسَ صلاةً وصياماً فقط،
 ليسَ عبادات شكلية جوفاء كما هيَ عندَ الناس،
 الإسلام مواقف
الإسلام منهج متكامل،
 الإسلام يدخل في دقائق عملك اليومية، يدخل في مهنتك، في حرفتك،
 في بيتك، في نزهتك، في لهوك، في جِدّك، في سفرك، في حَضرِك،
الإسلام يعني تقريباً 100 ألف بند، عندما المسلمون اختصروه إلى أربع
خمس عبادات شكليّة وفي ما سِوى هذه العبادات هم على أهوائهم وفقَ
نزواتهم، وفقَ ما يحلو لهم، وفقَ مصالحهم، وفقَ طموحاتهم الدنيوية،
فصلوا الدينَ عن الدنيا وجعلوا الدنيا في واد والدينَ في واد، لذلك بلغوا
ألف مليون في العالم وليست كلمتهم هي العليا..  
 لا أقول سفلى.. لكن ليست هي العليا.
 مع أنَّ الله يقول:
 
} وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ
 لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ
 وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً
يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ {
( سورة النور 55 )
 
لو أنَّ عددَ المؤمنين الصادقينَ في الأرض اثنا عشرة ألف رجل ما غُلِبوا
فكيفَ إذا كانوا ألفَ مليون.. ألف مليون.. ماذا يعني ذلك..؟..
القضية عندَ الله ليست بالمظاهر، المظاهر الإسلامية الصارخة
والمصاحف والأشرطة والخُطب، والجوامع ملأىَ بالمُصلين، هذه مظاهر،
تُبشر بالخير، ولكن ليست كذلك عِندَ الله،
عِندَ الله عدد المسلمين هو عدد الطائعين، عدد المُلتزمين، من وليُّ الله
أهو الذي يطير في الهواء.. قال: لا.. أهو الذي يمشي على وجه الماء..
قال: لا.. الوليُّ كلُّ الوليّ الذي تجده عِندَ الحلالِ والحرام.
فيا أخي الكريم..
إسلامك في معملك، إسلامك في دكانك، إسلامك في وظيفتك،
 إسلامك في بيعك وشرائك، إسلامك في تعاملك، إسلامك في جوارحك
، في مهنتك، هذا هو الإسلام

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق