الأحد، 10 مايو 2015

البكاء يغسل أدران القلوب


إنها حقيقة لا مراء فيها، فالبكاء من خشية الله تعالى يلين القلب ،
ويذهب عنه أدرانه
قال يزيد بن ميسرة رحمه الله :
" البكاء من سبعة أشياء : البكاء من الفرح ، والبكاء من الحزن ،
والفزع ، والرياء ، والوجع ، والشكر ، وبكاء من خشية الله تعالى ،
فذلك الذي تُطفِئ الدمعة منه أمثال البحور من النار ! " .
وقد مدح الله تعالى البكائين من خشيته، وأشاد بهم في كتابه الكريم:
{ إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ
يَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ سُجَّدًا (107) وَيَقُولُونَ
سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنْ كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولًا (108) }
[الإسراء 107-109].
البكاء شيء غريزي:
نعم هذه هي الفطرة فالإنسان لا يملك دفع البكاء عن نفسه ،
يقول الله تعالى:
{ وأنّه هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَى }
[ النجم / 43 ]
قال القرطبي في تفسيرها :
" أي : قضى أسباب الضحك والبكاء ،
وقال عطاء بن أبي مسلم :
يعني : أفرح وأحزن ؛ لأن الفرح يجلب الضحك والحزن يجلب البكاء...
أنواع البكاء:
لقد ذكر العلماء أن للبكاء أنواعا ومن هؤلاء
الإمام ابن القيم رحمه تعالى إذ ذكر عشرة أنواع هي:
- بكاء الخوف والخشية .
-بكاء الرحمة والرقة .
- بكاء المحبة والشوق .
- بكاء الفرح والسرور .
- بكاء الجزع من ورود الألم وعدم احتماله .
- بكاء الحزن .... وفرقه عن بكاء الخوف :
أن الأول -" الحزن " - يكون على ما مضى من حصول مكروه أو فوات
محبوب وبكاء الخوف : يكون لما يتوقع في المستقبل من ذلك ، والفرق
بين بكاء السرور والفرح وبكاء الحزن أن دمعة السرور باردة والقلب
فرحان ، ودمعة الحزن : حارة والقلب حزين ، ولهذا يقال لما يُفرح به
هو " قرة عين " وأقرّ به عينه ، ولما يُحزن : هو سخينة العين ،
وأسخن الله به عينه .
- بكاء الخور والضعف .
- بكاء النفاق وهو : أن تدمع العين والقلب قاس .
- البكاء المستعار والمستأجر عليه ، كبكاء النائحة بالأجرة فإنها كما قال
أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه :
تبيع عبرتها وتبكي شجو غيرها .
- بكاء الموافقة : فهو أن يرى الرجل الناس يبكون لأمر
فيبكي معهم ولا يدري لأي شيء يبكون.
فضل البكاء من خشية الله:
إن للبكاء من خشية الله فضلا عظيما ، فقد ذكر الله تعالى بعض أنبيائه
وأثنى عليهم ثم عقب بقوله عنهم:
{ إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آَيَاتُ الرَّحْمَنِ خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا }
[مريم58].
وقال تعالى عن أهل الجنة :
{ وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ .
قَالُوا إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنَا مُشْفِقِينَ . فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا
وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ . إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلُ نَدْعُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ }
[ الطور 25 – 28 ]
وقالَ: رسول الله صلى الله عليه وسلم
( سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللَّهُ في ظِلِّهِ يَوْمَ لا ظِلَّ إلا ظلُّهُ...
"وفي آخره:" ورَجُلٌ ذَكَرَ اللَّه خالِياً فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ ).
وقال
( عينان لا تمسهما النار ، عين بكت من خشية الله ،
وعين باتت تحرس في سبيل الله ).
وقال كعب الأحبار :
لأن أبكى من خشية الله فتسيل دموعي على وجنتي أحب
إلى من أن أتصدق بوزني ذهباً.
بكاء النبي صلى الله عليه وسلم:
عَن ابن مَسعودٍ - رضي اللَّه عنه – قالَ :
قال لي النبيُّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم :
( اقْرَأْ علي القُرآنَ " قلتُ : يا رسُولَ اللَّه ، أَقْرَأُ عَلَيْكَ ،
وَعَلَيْكَ أُنْزِلَ ؟ ، قالَ : " إِني أُحِبُّ أَنْ أَسْمَعَهُ مِنْ غَيْرِي "
فقرَأْتُ عليه سورَةَ النِّساء ، حتى جِئْتُ إلى هذِهِ الآية :
{ فَكَيْفَ إِذا جِئْنا مِنْ كُلِّ أُمَّة بِشَهيد وِجئْنا بِكَ عَلى هَؤلاءِ شَهِيداً }
[ النساء / 40 ]
قال " حَسْبُكَ الآن " فَالْتَفَتُّ إِليْهِ ، فَإِذَا عِيْناهُ تَذْرِفانِ .)
أما عبد اللَّه بنِ الشِّخِّير - رضي اللَّه عنه – فيقول :
( أَتَيْتُ رسُولَ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم
وَهُو يُصلِّي ولجوْفِهِ أَزِيزٌ كَأَزِيزِ المرْجَلِ مِنَ البُكَاءِ )
وقد روى مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال:
( زار النبي قبر أمه فبكى وأبكى من حوله...")
الحديث.
وقام ليلة يصلي فم يزل يبكي ، حتى بل حِجرهُ !
قالت عائشة :
( وكان جالساً فلم يزل يبكي صلى الله عليه وسلم حتى بل لحيته )
قالت :
( ثم بكى حتى بل الأرض ! فجاء بلال يؤذنه بالصلاة ، فلما رآه
يبكي ، قال : يا رسول الله تبكي ، وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك
وما تأخر ؟! قال : " أفلا أكون عبداً شكورا ؟! لقد أنزلت
علي الليلة آية ، ويل لم قرأها ولم يتفكر فيها !
{ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ …}
الآية.
بكاء الصحابة رضي الله عنهم:
لقد رأينا شيئا من بكائه صلى الله عليه وسلم وقد تعلم الصحابة
رضي الله عنهم من نبيهم البكاء
فعن أنس رضي الله عنه قال :
( خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم خطبة ما سمعت مثلها قط
فقال : " لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيراً ")
فغطى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وجوههم ولهم خنين
من فوائد البكاء من خشية الله :
- أنه يورث القلب رقة ولينا
- أنه سمة من سمات الصالحين
- أنه صفة من صفات الخاشعين الوجلين أهل الجنة.
- أنه طريق للفوز برضوان الله ومحبته.
وبعد فهذه مجرد إشارات لفضيلة البكاء ، و لما كان عليه القوم الصالحون
الأوائل من خشية الله والبكاء من أثر هذه الخشية فهل لنا فيهم أسوة؟!.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق